التخطي إلى المحتوى الرئيسي

صوم العذراء: دراسة تاريخية موجزة

صوم العذراء: دراسة تاريخية موجزة

يرتبط هذا الصوم بتقليد (يُرجح أنه متأخر) يُنسب إلي الرسل، إذ تقول القصة أن توما الرسول عندما عاد من التبشير فى الهند، سأل الرسل عن السيدة العذراء، قالوا له إنها قد ماتت. فقال لهم "أريد أن أرى أين دفنتموها!" وعندما ذهبوا إلى القبر لم يجدوا الجسد المبارك. فإبتدأ يحكى لهم أنه رأى الجسد صاعداً... فصاموا 15 يوماً من أول مسرى حتى 15 مسري، فأصبح عيد للعذراء يوم 16 مسرى من التقويم القبطي[1].

لكن برغم هذه القصة التي يذكرها السنكسار القبطي، فهذا الصوم لا يضرب بجذوره أبعد من القرن الثالث عشر، فبتتبع كتب التاريخ الكنسي وكتب القوانين الكنسية[2] لا نجد أي ذكر لهذا الصوم حتى القرن الثالث عشر.
( تابع بالأسفل)

وهذه بعض النصوص المنشورة للقوانين الكنسية وكتب الطقوس والتي يمكن أن نتتبع فيها ما جاء عن الأصوام في الكنيسة القبطية:

1. قوانيين القرون الأولى:
- الديداخي (تعليم الرسل)[3] : وهي قوانين منسوبة للرسل الإثنى عشر ويعود تاريخ تدوين المخطوط الوحيد المكتشف إلي نهاية القرن الأول أو بداية الثاني
جاء ذكر الأصوام في (3:1)[4] (3:6) (4:7) (1:8) وهي  الصوم لأجل المضطهدين، صوم المعمد قبل العماد، صوم اليوم الرابع ويوم الإستعداد (أي الاربعاء والجمعة)، ولا يوجد ذكر لصوم العذراء

- قوانيين هيبوليتس (التقليد الرسولي)[5] : ترجع للقرن الثالث، حوالي 235م تقريبا ويرجع معظم علماء الليتورجيا انها ترجع للقرنيين الخامس او السادس
جاء ذكر الأصوام في (7:20) (1:25-2) (1:29-4) وهي صوم المعمدين يوم الجمعة قبل العماد، الصوم الإختياري، صوم الفصح (البصخة)، ولا يوجد ذكر لصوم العذراء

- قوانيين البابا أثناسيوس بطريرك الإسكندرية[6]: وهي منسوبة للبابا أثناسيوس الرسولي لكن إحتمال كونه واضعها ضعيف جدا و يرجع نصها الموجود لحوالي القرن السادس
جاء ذكر الأصوام في (2:26) (31) (2:49) (3:57) (72) (73) (4:92) (2:98) (4:98) وهي صوم الاربعاء والجمعة، صيام البصخة يومين يومين، الصوم من اجل التوبة، ولا يوجد ذكر لصوم العذراء

2. قوانيين بطاركة الكنيسة القبطية في العصور الوسطي[7]:

- قوانيين البابا خريستوذولوس (1047-1077م):
جاء ذكر الأصوام في (8) (17-21) وهي صوم الاربعين، صوم الرسل، صوم الميلاد (وهو الصوم الذي وضعه هذا البابا)، صوم الاربعاء والجمعة، صوم الغطاس، ولا يوجد ذكر لصوم العذراء

- قوانيين البابا كيرلس الثاني (1078- 1092):
جاء ذكر الأصوام في (14) (18) وهي صوم الاربعين، صوم الاربعاء والجمعة ، ولا يوجد ذكر لصوم العذراء

- مجموعة قوانيين البابا غبريال بن باتريك (1084- 1145م):
جاء ذكر الأصوام في  (ب2\27 29 55-57 64 86)  (ب6\14)  (ب11\36 37)  (ب19\1 2 4-7 10-12 14 17-19 21 23-25) (ب21\1-4) (ب22\4 5 9) (ب30\1) (ب41\4) (ب60\8 17 20) وهي الصوم للتوبة، صوم الاسقف عند الرسامة، صوم الاربعاء والجمعة، صوم الأرامل وغير المتزوجات، صوم المتعمدين، صوم الاربعين، صوم السبت لغير القادر على صوم الاربعاء والجمعة، ولا يوجد ذكر لصوم العذراء

- مجموعة ال32 قانون للبابا غبريال بن باتريك:
جاء ذكر الأصوام في  القانون (21) وذُكر فقط صوم الاربعين، ولا يوجد ذكر لصوم العذراء

- مجموعة القوانين ال10 للبابا غبريال بن باتريك:
جاء ذكر الأصوام في  القانونين (13) (16) وذُكر فقط الصوم الكبير، ولا يوجد ذكر لصوم العذراء

- مجموعة ال12 فصلا قانونيا لإبن لقلق (1199-1243م):
جاء ذكر الأصوام في (7) (8) (9) وهي صوم اسبوع بعد الخمسين، صوم الاربعاء والجمعة، صوم الميلاد، صوم الغطاس، ولا يوجد ذكر لصوم العذراء

- مختصر القوانيين للبابا كيرلس ابن لقلق:
جاء ذكر الصوم في القانون (30) وكان عن  المرأة والصوم، ولا يوجد ذكر لصوم العذراء

3. الكتب الطقسية وكتب التاريخ الكنسي:

أول ذكر تقريبا لصوم السيدة العذراء نجده في كتاب المجموع الصفوي لإبن العسال في القرن الثالث عشر إذ يقول: " ومن الأصوام ما هو دون ذلك في حفظ الأكثرين له وهو صوم عيد السيدة ( العذراء ) وأكثر ما يصومه المتنسكون والراهبات ، وأوله أول مسرى ، وعيد السيدة ( 16 مسرى ) فصحه ، أي فطره" [8] (15\7)

لكن أيضاً وفي نفس القرن، أي القرن الثالث عشر وفي كتاب الجوهرة النفيسة في علوم الكنيسة (وهو كتاب مخطوط بتاريخ 1448م) للعلامة القبطي يوحنا بن زكريا المعروف بابن سباع، يذكر الصوم في الباب الثاني والثلاثون[9]: والمعنون "في ذكر مماثلة البشر بالسيد المسيح في الصوم المقدس والاربعاء والجمعة وغيرها"[10]
يذكر صوم الاربعاء والجمعة، صوم يونان، صوم الميلاد (وهو يذكر ان هذا الصوم ترتب في ايام البابا خريستوذولس عام 1046م)، صوم الرسل، ولا يوجد ذكر لصوم العذراء

في القرن الرابع عشر نرى تأكيد الكاهن ابن كبر لكلام أبن العسال، وذلك في كتابه مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة، إذ يقول في الباب 18: " ومن الأصوام ما هو دون ذلك في حفظ الأكثرين له ، وهو صوم عيد السيدة ، وأوله أول مسرى وعيد السيدة فصحه"

في القرن السابع عشر وحسب ما تذكر سلسلة تاريخ البطاركة والصادرة عن دير السريان، أن البابا غبريال الثامن في اوائل القرن السابع عشر (1602م) جعل صوم السيدة العذراء صوماً تاريخياً: " ... فمن صامه وفاء لنذر قطعه على نفسه ، فله ثوابه ، ومن لم يصمه فلا جناح عليه"[11]


[1]  السنكسار القبطي، المدخل: يوم 16 مسرى
[2]  القوانيين الكنسية هي المصدر الأول لطقوس وتقاليد الكنيسة
[3]  النص منشور في: الراهب أثناسيوس المقاري، مصادر طقوس الكنيسة، 1\1 الديداخي،  مكتبة المنار 2000
[4]  (3:1) تعني الفصل الأول الفقرة 3
[5]  النص منشور في: الراهب أثناسيوس المقاري، مصادر طقوس الكنيسة، 1\2 التقليد الرسولي (قوانيين هيبوليتس)، مكتبة المنار 2000
[6]  النص منشور في: الراهب أثناسيوس المقاري، مصادر طقوس الكنيسة، 1\10 قوانيين البابا أثناسيوس، دار نوبار 2003
[7]  نصوص هذه القوانين منشورة في: الراهب أثناسيوس المقاري، مصادر طقوس الكنيسة، 1\14 قوانيين بطاركة الكنيسة القبطية في العصور الوسطي، دار نوبار 2009
[8]  المجموع الصفوي لإبن العسال، نص نشرته الكلية الإكليريكية، بالإضافة للنص الإنجليزي:
The Collection of Safey Ibn Al-Assal, Translated by Dr. William A. Hanna, St. Mary & St. Abraam Coptic Orthodox Church, St. Louis, Missouri 1996
[9]  النص منشور في: الجوهرة النفيسة في علوم الكنيسة للعلامة يوحنا بن زكريا، شرح وتعليق د.ميخائيل مكسي اسكندر، مكتبة المحبة 2001
[10]  مرجع سابق، ص 51
[11]  سلسلة تاريخ الباباوات بطاركة الكرسي السكندري، الحلقة الرابعة من البطريرك 88 – 103 ( 1409 – 1717 )، ،دير السريان 1954

تعليقات

  1. بحثت في السنكسار لم اجد ما كتبته في بحثك في اول جزء
    عن مدخل 16 مسري

    النص في السنكسار
    ولم يكن توما الرسول حاضرا وقت نياحتها، واتفق حضوره عند دفنها فرأي جسدها الطاهر مع الملائكة صاعدين به فقال له أحدهم: "أسرع وقبل جسد الطاهرة القديسة مريم " فأسرع وقبله. وعند حضوره إلى التلاميذ أعلموه بنياحتها فقال: "أنا لا أصدق حتى أعاين جسدها فأنتم تعرفون كيف أني شككت في قيامة السيد المسيح". فمضوا معه إلى القبر وكشفوا عن الجسد فلم يجدوه فدهش الكل وتعجبوا فعرفهم توما الرسول كيف أنه شاهد الجسد الطاهر مع الملائكة صاعدين به.

    وقال لهم الروح القدس: "أن الرب لم يشأ أن يبقي جسدها في الأرض " وكان الرب قد وعد رسله الأطهار أن يريها لهم في الجسد مرة أخري فكانوا منتظرين إتمام ذلك الوعد الصادق حتى اليوم السادس عشر من شهر مسرى حيث تم الوعد لهم برؤيتها وهي جالسة عن يمين ابنها وإلهها وحولها طغمات الملائكة وتمت بذلك نبوة داود القائلة: "قامت الملكة عن يمين الملك " وكانت سنو حياتها علي الأرض ستين سنة. جازت منها اثنتي عشرة سنة في الهيكل وثلاثين سنة في بيت القديس يوسف البار. وأربع عشرة سنة عند القديس يوحنا الإنجيلي، كوصية الرب القائل له: "هذا ابنك " وليوحنا: "هذه أمك".

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لحن آجيوس إستين (أوو كيريوس ميتاسو)

  ملحوظة لقراءة الكتابة القبطية يجب تحميل هذا ال Font (إضغط هنا) يُرجح أن الألحان الكنسية نشأت مع الكنيسة نشاة الكنيسة نفسها، وتنوعت الألحان بحسب التراث الثقافي والحضاري الذي نشأت فيه كل كنيسة محلية. وتعتبر الأحان الكنسية هي جزء لا يتجزأ من العبادة، فهي كما يشير القديس باسيليوس: إن الترنيم هو هدوء النفس ومسرة الروح، يسكن الأمواج ويسكت عواصف حركات قلوبنا.

الطقس القبطي وتطور القداسات الثلاثة

[محاضرة ضمن مادة الكنيسة القبطية التي أدرسها بكلية اللاهوت الأسقفية] الطقس الديني هو مجموعة أفعال وتصرفات رمزية يستخدم فيها الإنسان جسده (عن طريق حركات معينة أو إرتداء زي معين أو ترديد كلمات معينة) لكي يُجسد أفكاره ومفاهيمه الدينية، ويُعبر عن علاقته بالقوى الفائقة التي يعبدها، مع الوقت يصير الطقس نمطًا سلوكيًا وجزءًا اصليلآ من العبادة الدينية، فمن خلال الطقس الديني يعيد الإنسان إحياء وتعيين تجربة مقدسة هي تجربة/خبرة تفاعله/تلاقيه مع الله من هنا فالطقس الديني يحتوى على أمرين: الرمزية والسلوك الإجتماعي.  والطقس الديني الجماعي (مثل ليتورجيا القداس في الكنيسة القبطية) يعزز من الإحساس بالشركة والوحدة داخل الجماعة، فالأفراد يقومون بعمل واحد معًا، وبالتالي فهو يعبر بصورة حية عن مفهوم الكنيسة ووحدتها. والطقس الديني في أساسه ليس غاية لذاته بل وسيلة للتعبير عن الغاية: العلاقة مع الله/ الإيمان؛ وينفصل الطقس عن تلك الغاية، حينما تتحول الممارسة الدينية إلى غاية في ذاتها.

الثاليا: قصيدة آريوس، مقدمة وترجمة

الآريوسية هي المسيحية الحقيقة: "المسيحية الموحدة بالله"، قَدَمَ هذه الفكرة أحد الكتاب المصريين ونشرها في احد الجرائد الرسمية، وكتب عدة مقالات متفرقة عنها. ووصف آريوس والآريوسيين بالـ "مسيحيين الموحدين بالله"، وكان القصد من ذلك الإشارة أن المسيحية الأرثوذكسية التي واجهت للآريوسية لم تكن موحدة بالله لوجود فكرة الثالوث ، وان آريوس – كحامل للمسيحية الصحيحة- قدم المسيح كإنسان ونبي. لكن في مجمع نيقية تم الحكم على آريوس ظلمًا وإختراع فكرة الثالوث وتأليه المسيح.