التخطي إلى المحتوى الرئيسي

التاريخ الحقيقي للحروب الصليبية- توماس مايدن


التاريخ الحقيقي للحروب الصليبية
ترجمة: مايكل رأفت

تنويه: المقال مترجم وهو لا يُعبر بالضرورة عن رأي صاحب المدونة بل يعبر عن رأيي صاحبه في الأساس... وقد تتفق الأراء وقد تختلف

عنوان المقال الأصلي:
What the Crusades were really like?
A ZEINT Daily Dispatch, St, Louis, Missouri, 10 Oct, 2004 (ZEINT)
لم يكن الصليبيون مجرد معتدين بلا أى دافع , قتلة جشعين أو مستعمرين من القرون الوسطى , كما يصورون دائما فى بعض كتب التاريخ .
توماس مادين  Thomas Madden, الذى يشغل كرسى قسم التاريخ فى جامعة سانت لويس و مؤلف كتاب " التاريخ المختصر للحملات الصليبية A Concise History of the Crusades" يثبت أن الصليبيين فى الحقيقة لم يكونوا سوى مجرد قوات دفاعية لم يستفيدوا من حملاتهم بأى أراضى أو أموال أو مكاسب أرضية .
في الحقيقة  يؤكد توماس مادين  ان الحروب الصليبية لم تكن سوى حروب دفاعية , لا حروب لأجل الأستعمار.
قد شارك "مادين" مع وكالة زينيت[1] في مناقشة أكثر تلك الأساطير شيوعًا عن الحملات الصليبية و الأثباتات التى عثر عليها حديثا والتى تثبت زيفها.

ودار اللقاء مع مايدن في صورة مجموعة من الأسئلة التي يجيب عليها، وها هو اللقاء:
(تابع بالأسفل)

س : ما هى أشهر تلك الأعتقادات الخاطئة عن الحملات الصليبية و الصليبيين ؟؟

مادين : أشهر الأساطير الشائعة عن الحملات الصليبية هى التالية :

الأسطورة الاولى : الحملات الصليبية كانت حملات أعتدائية بلا أى سبب ضد العالم الأسلامى الوديع .
 و هذه المقولة خاطئة الى أقصى درجة . فمنذ أيام محمد , وضع المسلمين نصب أعينهم دائما غزو العالم المسيحى . و قد أدوا عملا جيدا بصدد هذا أيضا , فبعد عدة قرون من الغزو المستمر , أستطاعت جيوش المسلمين أن تغزو و تسيطر على شمال أفريقيا بالكامل , الشرق الأوسط , أسيا الصغرى و معظم أسبانيا.

بمعنى اخر , بحلول القرن الحادى عشر كانت القوات الأسلامية قد أوقعت بثلثى العالم المسيحى . فلسطين , موطن يسوع المسيح , مصر مهد الرهبنة المسيحية , أسيا الصغرى التى زرع فيها القديس بولس الرسول بذور المجتمعات المسيحية الاولى - هذه الأماكن و البلاد لم تكن مجرد أطراف ثانوية للمسيحية بل قلبها .

و لم تكن الأمبراطورية الأسلامية أنتهت بعد - من توسعاتها - ولكن قد بدأت فى الضغط غربا نحو القسطنطينية , و تخطتها فى النهاية متجهة الى داخل أوروبا نفسها . فكان الأعتداء الذى بلا أى سبب يأتى من الطرف الأسلامى حصرا. فكان على المتبقى من العالم المسيحى فى لحظة ما ان يدافع عن نفسه و الا أستسلم ببساطة للغزو الأسلامى.

الأسطورة الثانية : كان الصليبيون يلبسون صلبان , ولكنهم فى الحقيقة كانوا يهتمون فقط  بالأستيلاء على  الغنائم و الأراضى فكانوا يتخذون شكلهم المتدين الورع كغطاء لجشع لا حد له.
أعتقد المؤرخون ان أرتفاع معدل السكان فى أوروبا ادى الى نشوء أزمة وجود الكثير من النبلاء الذين قد تربوا ونشئوا فى جو من الفروسية و صناعة الحرب , ولكنهم لم يكن لهم اى أراضى أو أقطاعيات من الممكن أن يرثوها . لذلك كانت الحملات الصليبية " صمام امان" بأرسال هؤلاء الرجال المحاربين بعيدا عن اوروبا الى الاماكن التى يستطيعون فيها ان يحصلوا على الكثير من الأراضى لأنفسهم على حساب الأخرين ( غير الأوروبيين) .

الدراسات الحديثة - فى ظل وجود قواعد البيانات المحوسبة و بمساعدتها - قامت بنسف تلك الأسطورة . نحن نعلم الأن ان من قاموا بالأستجابة لنداء البابا فى سنة 1095 كانوا من النبلاء الذين يمتلكون الأراضى و الأقطاعيات فعلا -كما هو الحال فى الحملات الصليبية الأخرى اللاحقة .
 تكوين و أطلاق الحملات الصليبية كانت عملية مكلفة للغاية, و قد أجبر الأعيان و العظماء على بيع أو رهن اراضيهم لكى يوفروا التكاليف اللازمة للحملات . و كان معظمهم أيضا لا يهتمون بان يحصلوا على ممالك تقع فى ما وراء البحار . و كما هو حال الجنود اليوم , كان جنود الحملات الصليبية فى العصور الوسطى فاخورين بتأديتهم لهذا الواجب و لكنهم أشتاقوا كثيرا للرجوع الى مواطنهم .

بعد النجاح الساحق للحملة الصليبية الاولى , التى أسفرت عن وقوع أورشليم و معظم اجزاء فلسطين فى يد الصليبيين .قام الصليبييون بالرجوع فعليا الى أوطانهم ما عدا قلة قليلة بقيت لكى تؤمن و تحكم الأراضى التى تم السيطرة عليها حديثا.

كانت الغنائم أيضا نادرة , فى الحقيقة , على الرغم ان الصليبيين بلاشك حلموا بالثروة الكبيرة التى كانوا سوف يحصلون عليها فى المدن الغنية كثيرة الثروة التى تقع فى الشرق , و لكنه فعليا لم تستطع - تلك الغنائم - ان تعوض تكاليفهم الباهظة التى تكلفوها . و لكن الاموال و الأراضى لم تكن هى السبب الأول فى أطلاقهم لحملاتهم , لقد ذهب الصليبيين فى تلك الحملات أولا لكى يكفروا عن خطاياهم و يكسبوا الخلاص بعمل أعمال صالحة فى أرض بعيدة عن مواطنهم .

لقد تحملوا هذه التكاليف الباهظة و الصعوبات لأنهم قد امنوا أنهم بمساعدتهم لأخوتهم و اخواتهم المسيحيين فى الشرق كانوا يدخرون كنوزا لا تصدأ ولا يفسدها السوس.
لقد كانوا واعين بقول المسيح انه من لم يحمل صليبه لم يكن مستحقا له . و تذكروا أيضا انه " لا حب أعظم من هذا ان يضع الأنسان نفسه لأجل أحبائه" .

الأسطورة الثالثة : عندما دخل الصليبيين أورشليم فى عام 1099 قاموا بذبح كل رجل و أمرأة و طفل فى المدينة حتى وصل الدم الى كعوب الأقدام.
هذه المقولة هى المفضلة لبيان الطبيعة الشريرة للحملات الصليبية
انه صحيح بكل تأكيد ان كثير من الناس الذين فى أورشليم قد قتلوا بعدما اوقع الصليبيين بالمدينة . و لكن هذا ينبغى ان يفهم فى سياقه التاريخى .
المعايير الأخلاقية التى كانت مقبولة فى حضارات أوروبا ما قبل الحداثة و كذلك حضرات أسيا كانت تعتبر المدينة التى قاومت محاولات الأستيلاء عليها و فتحت عنوة ملكا للقوات المنتصرة , و هذا لا يشمل المبانى أو البضائع فقط لكن البشر أيضا , ولهذا كانت أى مدينة أو اى حصن (تحت الحصار) ينبغى ان يقيم أذا كان سوف يصمد فى مواجهة المحاصرين . فأذ لم يكن , كان من الحكمة ان تتم مفواضات على شروط الأستسلام .
 فى حالة أورشليم , قاوم المدافعون عن المدينة حتى النهاية , لقد حسبوا أن أسوار المدينة الهائلة المنيعة سوف تمنع الصليبيين من دخول المدينة حتى تأتى قوات التعزيزات من مصر , و لكنهم كانوا على خطأ . عندما سقطت المدينة , قتل الكثيرين , و لكن هناك أيضا من تم أفتدائهم أو تركوا أحرار .
بالمقاييس الحديثة ربما تبدو تلك الأمور وحشية . و لكن هانك من الرجال و النساء و الاطفال الذين لا ذنب لهم يقتلون فى الحروب الحديثة أكثر بكثير من الذين يتم قتلهم بالسيف فى يوم أو أثنين , انه لا يسوى الكثير لو كان الناس الذين فى تلك المدن المسلمة التى أستسلمت للصليبيين قد تركوا بدون أذى و أرجعت لهم ممتلكاتهم و تركوا يمارسون معتقادتهم الدينية بحرية .

أما بالنسبة للشوارع الغارقة فى الدماء هذه , لا يوجد أى مؤرخ يقبل هذا الخبر أكثر من أنها مبالغة أدبية , أورشليم مدينة كبيرة , كمية الدم اللازمة لملئ الشوارع كلها بالكامل و لعمق ثلاثة أنشات سوف يتطلب قتل الكثير من الناس أكثر من الذين يعيشون فى المنطقة كلها و ليست المدينة فقط .  

الأسطورة الرابعة : الصليبيون كانوا مجرد مستعمرين من العصور الوسطى متسترين  برداء الدين .
 من المهم ان نتذكر ان فى العصور الوسطى لم تكن الحضارة الغربية هى تلك الحضارة القوية المسيطرة التى تستأسد على منطقة بدائية متخلفة . بل كان الشرق الأسلامى هو الأكثر قوة و ثراء . لقد كانت أوروبا هى العالم الثالث وقتها .

الدويلات الصليبية التى تكونت على أثر  الحملة الصليبية الاولى لم تكن لكى تزرع الكاثوليك فى وسط العالم الأسلامى على غرار الأستعمار البريطانى لأمريكا , الوجود الكاثوليكى فى تلك الدويلات الصليبية كان دائما تواجد قليل و محدود , أقل من 10 % عدد السكان . هؤلاء كانوا الحكام و القضاة بالأضافة الى التجار الأيطاليين و ذوى الرتب العسكرية. لقد كانت الأغلبية الساحقة من السكان فى تلك الدويلات الصليبية من المسلمين .
لم تكن تلك الدويلات مستعمرات بقصد زرع الكاثوليك فى الشرق الأسلامى ولا حتى ك "مصنع" للكاثوليك كما كان الحال فى الهند بل كانت مجرد قواعد صليبية, , لقد كان الهدف الرئيسى لنشوء تلك الدويلات الصليبية هو الدفاع عن الأماكن المقدسة فى فلسطين ,خاصة أورشليم . بالأضافة الى توفير جو من الأمان للحجاج المسيحيين لكى يزوروا تلك الاماكن .

لم تكن هناك لتلك الدويلات الصليبية دولة أم ترعى تلك الدويلات أقتصاديا , ولم يستفد الأوروبيين من تلك الدويلات أقتصاديا , بل على العكس كانت تكاليف الحملات الصليبية لكى تدعم الشرق اللاتينى أهدار حقيقى للموارد الأوروبية, و بما أن تلك الدويلات كانت مجرد قواعد عسكرية فقد ركزت بالأكثر على الشؤون العسكرية.          
عندما كان المسلمون يحاربون بعضهم البعض , كانت الدويلات الصليبية تلك فى أمان . و لكن بمجرد أن أتحد المسلمين أستطاعوا ان يفككوا القوات الصليبية و يبعثروهم و ان يستولوا على تلك المدن مرة أخرى و طرد المسيحيين منها نهائيا سنة 1291.

الأسطورة الخامسة : لقد شنت الحملات الصليبية أيضا ضد اليهود .
لا يوجد فى التاريخ بابا واحد دعى الى  حملات صليبية ضد اليهود . خلال الحملة الصليبية الأولى قام عدد كبير من الرعاع - من الذين لا ينتمون الى القوات الأساسية للحملة - بالنزول الى قرى منطقة الراينلاند[2] وقرروا نهب و قتل اليهود الذين وجدوهم هناك . من ناحية , كان هذا مجرد جشع خالص  , و من ناحية اخرى نتج هذا عن أعتقاد خاطئ ان اليهود بوصفهم صالبى المسيح , كانوا هدف شرعى للحرب .
قام البابا أوربان الثانى و كذلك من أتى بعده من الباباوات بالتنديد و بقوة بتلك الهجمات على اليهود . كما قام الأساقفة المحليين لتلك المناطق و رجال الأكليروس الأخرين بالأضافة الى العامة بالدفاع عن اليهود , بالرغم من النجاح المحدود لتلك المحاولات . على نحو مماثل , أثناء بدايات الحملة الصليبية الثانية ,قام مجموعة من المارقين بقتل الكثيرين من اليهود فى المانيا قبل أن يدركهم القديس بيرنارد و يضع حد لهذا .
هذه الحوادث المؤسفة غير المقصودة التى حدثت أثناء الحركة الصليبية كانت ناتج غير محمود للحماسة التى كانت تسود الحملات الصليبية . وكمثال فى العصر الحديث , قام مجموعة من الجنود الأمريكان خلال الحرب العالمية الثانية بأرتكاب بعض الجرائم بينما هم خارج البلاد فى حملات عسكرية , و لقد تم القبض عليهم و معاقبتهم كجزاء لتلك الجرائم و لكن هدف الحرب العالمية الثانية لم يكن يشمل أرتكاب تلك الجرائم .

"التوتر الحالى بين الغرب و العالم الأسلامى لم تكن للحملات الصليبية فيه أثر يذكر"  كما يقول أحد المؤرخين.

س : هل تظن ان الصراع بين الغرب و العالم الأسلامى هو بشكل ما نتيجة للحملات الصليبية ؟
مادين : لا , ربما تكون هذه أجابة غريبة خاصة عندما نرى ان بن لادن و الأسلاميين الأخرين دائما ما يصفون الأمريكيين ب"الصليبيين".

من المهم ان نتذكر انه خلال العصور الوسطى - و حتى السنين المتأخرة من القرن السادس عشر - كانت القوة العظمى بالنسبة للعالم الغربى هو الأسلام . كانت الحضارة الأسلامية حضارة ثرية , متطورة و قوية جدا . بينما كان الغرب متأخر و ضعيف نسبيا  .
كما انه جدير بالملاحظة , انه بأستثناء الحملة الصليبية الأولى , باءت  كل الحملات الصليبية التى أطلقها الغرب بالفشل .
ربما أبطئت الحملات الصليبية من التوسعات التى كان المسلمون يقومون بها , لكنها لم تنجح  فى أن توقفها أبدا
لقد أستمرت الأمبراطورية الأسلامية فى التوسع أكثر فأكثر فى المناطق المسيحية , فقامت بغزو البلقان , معظم أوروبا الشرقية بل حتى أكبر مدينة مسيحية فى العالم , القسطنطينية .
من المنظور الأسلامى, لم تكن الحملات الصليبية شئ يستحق ان يلتفت اليه , حتى انه لو كنت سألت شخص ما فى العالم الأسلامى فى القرن الثامن عشر عن الحروب الصليبية , لم يكن ليعرف اى شئ عنها . لكنها كانت مهمة بالنسبة الى الأوروبيين , لأنها كانت جهود عظيمة ذهبت أدراج الرياح .

و لكن , خلال القرن التاسع عشر , عندما بدء الأوروبيون فى غزو و أستعمار دول الشرق الأوسط , أعتبر الكثير من المؤرخين - خصوصا الكتاب القوميين و الملكيين الفرنسيين - ان الحملات الصليبية كانت المحاولة الأولى لجلب ثمار الحضارة الغربية للعالم الأسلامى المتخلف , بمعنى اخر , تحول شكل الحملات الصليبية الى مجرد حروب أستعمارية .
هذه النظرة كانت تدرس فى المدارس التى أقيمت فى المستعمرات , و أصبحت نظرة مقبولة فى الشرق الأوسط . فى القرن العشرين , أصبحت الامبريالية شئ مكروه و معاب , فتمسك الأسلاميون و القوميون العرب بالنظرة التى كانت الأستعمار ينشرها بشأن الحملات الصليبية , مدعين ان الغربيين مسئولين عنها و عليهم ان يتحملوا ملامتها لأنهم بدؤا بالتحرش بالمسلمين منذ ذلك الحين.

س : هل هناك تشابه بين الحملات الصليبية و الحرب ضد الأرهاب اليوم ؟
بجانب انه فى كل من الحربين كان الجنود يقاتلون لأجل هدف سامى  أكبر من حياتهم , و أنهم تمنوا بشدة ان يعودوا الى أرض الوطن بعد أن يحققوا هذا الهدف , لا أرى تشابه أخر بين الحملات الصليبية و الحرب على الأرهاب . الدوافع التى وراء الحرب فى المجتمع العلمانى ما بعد عصر التنوير مختلفة بشدة عن الدوافع التى وراء الحملات فى العصور الوسطى .

س : ما هو الفرق بين الحملات الصليبية و الجهاد الأسلامى ؟
مادين : الهدف الرئيسى من الجهاد الأسلامى هو توسيع رقعة "دار الأسلام"  - الأراضى الأسلامية -  على حساب "دار الحرب" ( البلدان الغير خاضعة للأمبراطورية الأسلامية) , بمعنى أخر , "الجهاد" هى حرب توسعية , هدفها هو غزو غير المسلمين و أخضاعهم للحكم الأسلامى . و من ثم تخضع الشعوب التى هزمها المسلمون لخيار بسيط , الذين لا ينتمون الى "أهل الكتاب" - المسيحيين و اليهود - أما أن يعتنقوا الأسلام أو يقتلوا , اما بالنسبة ل"أهل الكتاب" فأما ان يخضعوا للحكم الأسلامى أو يقتلوا . انتشار الأسلام أذن كان مرهونا بالنجاح العسكرى للجهاد الأسلامى .
بينما الحملات الصليبية تختلف بشدة عن الجهاد الأسلامى فى هذا الشأن, فالمسيحية منذ نشأتها منعت دائما التحول القهرى اليها مهما كانت الأسباب . أذن , التحول خوفا من السيف و القتل , لم يكن مسموحا به فى المسيحية ابدا . على عكس الجهاد , لم يكن الهدف من وراء الحملات الصليبية هو توسيع رقعة العالم المسيحى أو نشر المسيحية بواسطة التحول القهرى .

لقد كانت الحملات الصليبية رد فعل مباشر و متأخر زمنيا لقرون من الغزو الأسلامى للأراضى المسيحية . كان الغزو التركى لأسيا الصغرى بداية من سبعينات حتى تسعينات القرن الحادى عشر هو الحدث الرئيسى الذى أشعل فتيل الحملة الصليبية الأولى .

دعى البابا أورلبان الثانى فى سنة 1095 للحملة الصليبية الأولى كأستجابة للأستغاثة العاجلة من الأمبراطور البيزانطى فى القسطنطينية . نادى أوربان فرسان العالم المسيحى لكى ما يساعدوا أخوانهم الشرقيين .
لقد كانت أسيا الصغرى منطقة مسيحية , جزء من الأمبراطورية البيزانطية , بشرها القديس بولس الرسول . بينما كان القديس بطرس هو أول أسقف لأنطاكية . كتب بولس الرسول أيضا رسالته المشهورة الى المسيحيين من أهل أفسس . كذلك كتب قانون الأيمان فى مدينة نيقية . كل هذه الأماكن فى أسيا الصغرى .

أستعطف الأمبراطور البيزنطى مسيحيى الغرب لكى يساعدوه فى أستعادة الأرض و طرد الأتراك . و قد كانت الحملات الصليبية هى تلك المساعدة التى قدمها مسيحيوا الغرب اليه . كان هدفهم ليس فقط أستعادة اسيا الصغرى , لكن أيضا أستعادة كل الأراضى المسيحية التى ضاعت نتيجة للجهاد الأسلامى , وهذه  تشمل بالطبع الأراضى المقدسة .
بإيجاز , الفروق الأساسية بين الحملات الصليبية و الجهاد الأسلامى هو أن الحملات الصليبية كانت حملات  دفاعية  ضد الجهاد الأسلامى . تاريخ الحملات الصليبية فى الشرق بأكمله هو رد فعل للعدوان الأسلامى .

س : هل حقق الصليبيين أى نجاح فى تحويل العالم الأسلامى للمسيحية ؟
ميدين : أذكر انه فى القرن الثالث عشر , قام بعض الرهبان الفرانسيسكان بتنظيم أرسالية تعمل فى الشرق الأوسط  لكى ما تحول المسلمين الى المسيحية . لكنها لم تلقى نجاحا , غالبا بسبب ان الشريعة الأسلامية تعتبر التحول الى ديانة أخرى جريمة كبرى .

ولكن هذه المحاولة عمتا , كانت منفصلة عن الحملات الصليبية , التى لم تكن تهتم لتحويل أى شخص للمسيحية . كما أنها- تلك المحاولات -  أعتمدت على الأقناع فقط , بدون اللجوء الى العنف .

س : كيف برر العالم المسيحى هزيمة الحملات الصليبية ؟
مادين : بنفس الطريقة التى برر بها يهود العهد القديم هزيمتهم . الله قد منع الأنتصار عن شعبه لأنهم كانوا خطاة.
و قد أدى هذا الى حركة تقوية كبيرة فى أوروبا هدفت الى تطهير المجتمع المسيحى بكل طريقة ممكنة .

س : هل أعتذر البابا يوحنا بولس الثانى حقا عن الحملات الصليبية ؟ هل قام فعلا بأدانتها ؟
مادين : هذه أسطورة غريبة , لأنه قد تم أنتقاد البابا لأنه لم يعتذر بكلمات مباشرة واضحة عن الحملات الصليبية عندما سئل الغفران من كل الذين سبب لهم المسيحيون الأذى بغير وجه حق .
لم يدن أبونا المقدس الحملات الصليبية , ولا أعتذر عنها . لقد أعتذر عن خطايا الكاثوليك فقط . لاحقا قد تناقل عن البابا يوحنا بولس الثانى انه قد أعتذر لبطريرك القسطنطينية عن غزو الصليبيين للقسطنطينية فى عام 1204 .
فى الحقيقة , لقد كرر البابا يوحنا بولس الثانى ما قاله سلفه البابا أينوسنت الثالث ( 1198 -1216)  . بأنه كان هناك الكثير من الأخطاء الغير مقصودة التى بذل هو الكثير لكى يتجنبها .  لقد أعتذر يوحنا بولس الثانى عن خطايا الكاثوليك الذين أشتركوا فى الحملات الصليبية . لكنه لم يعتذر عن الحملات الصليبية نفسها ولا حتى عن نتائج الحملات .
 
This article has been selected from the ZENIT Daily Dispatch
© Innovative Media, Inc.
ZENIT International News Agency
Via della Stazione di Ottavia, 95
00165 Rome, Italy
www.zenit.org



[1]  زينيت : وكالة أنباء عالمية لا تبغي الربح وتشمل فريقاً من المحترفين والمتطوعين المقتنعين بالثروة الرائعة التي تحملها رسالة الكنيسة الكاثوليكية
http://www.zenit.org/page-0101?l=arabic
[2]  الراينلاند : منطقة فى المانيا بطول نهر الراين.

تعليقات

  1. مينا هل تمت ترجمة كتاب توماس مادن إلى العربية

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لحن آجيوس إستين (أوو كيريوس ميتاسو)

  ملحوظة لقراءة الكتابة القبطية يجب تحميل هذا ال Font (إضغط هنا) يُرجح أن الألحان الكنسية نشأت مع الكنيسة نشاة الكنيسة نفسها، وتنوعت الألحان بحسب التراث الثقافي والحضاري الذي نشأت فيه كل كنيسة محلية. وتعتبر الأحان الكنسية هي جزء لا يتجزأ من العبادة، فهي كما يشير القديس باسيليوس: إن الترنيم هو هدوء النفس ومسرة الروح، يسكن الأمواج ويسكت عواصف حركات قلوبنا.

الطقس القبطي وتطور القداسات الثلاثة

[محاضرة ضمن مادة الكنيسة القبطية التي أدرسها بكلية اللاهوت الأسقفية] الطقس الديني هو مجموعة أفعال وتصرفات رمزية يستخدم فيها الإنسان جسده (عن طريق حركات معينة أو إرتداء زي معين أو ترديد كلمات معينة) لكي يُجسد أفكاره ومفاهيمه الدينية، ويُعبر عن علاقته بالقوى الفائقة التي يعبدها، مع الوقت يصير الطقس نمطًا سلوكيًا وجزءًا اصليلآ من العبادة الدينية، فمن خلال الطقس الديني يعيد الإنسان إحياء وتعيين تجربة مقدسة هي تجربة/خبرة تفاعله/تلاقيه مع الله من هنا فالطقس الديني يحتوى على أمرين: الرمزية والسلوك الإجتماعي.  والطقس الديني الجماعي (مثل ليتورجيا القداس في الكنيسة القبطية) يعزز من الإحساس بالشركة والوحدة داخل الجماعة، فالأفراد يقومون بعمل واحد معًا، وبالتالي فهو يعبر بصورة حية عن مفهوم الكنيسة ووحدتها. والطقس الديني في أساسه ليس غاية لذاته بل وسيلة للتعبير عن الغاية: العلاقة مع الله/ الإيمان؛ وينفصل الطقس عن تلك الغاية، حينما تتحول الممارسة الدينية إلى غاية في ذاتها.

هل كان المسيحيون الأوائل أكثر إيمانًا وقداسة منا اليوم؟

  عزيزي، أنت تؤمن أن مسيحيو الماضي قد وُهبُوا إيمانًا وقداسة فائقين، فقد عَبَرْوا من بوتقةِ الاضطهاد العنيف والالام التي تتجاوز عتبة التحمل لمن هم في العصر الحديث. كما أنك تؤمن أن القديسين والشهداء الأوائل، ونُساك الصحراء هم نموذج لا يُمكن لنا نحن المؤمنين المعاصرين تحقيقه. ها أنت تأبى أن تترك حنين الماضي، أو أن تُقْدِمُ على الفحصِ المتأني للمشهد الإيماني المعاصر، حتى تكتشف ذلك النسيج المعقد للحاضر، الذي يتحدى هذه المقارنات السهلة.