التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ميخائيل رئيس الملائكة: دراسة مختصرة في الكتاب المقدس والتراث

ميخائيل رئيس الملائكة: دراسة مختصرة في الكتاب المقدس والتراث

تمهيد:
تحتل الملائكة جزءًا لا بأس به من العقيدة المسيحية، ويحتل ميخائيل مكانة خاصة عند بعض الطوائف المسيحية تميزه عن باقي الملائكة، وهي نفس المكانة الذي أعطتها له الكتابات اليهودية.

ميخائيل:
 מִיכָאֵל (باليونانية: Μειχαηλ, Μιχαηλ): الإسم يعني "من مثل الله؟" وهو معطى لرئيس ملائكة الله. هو مرادف للأمير الرئيس   εχων μέγας (كما ترجم دا 1:12 و 13:10 في السبعينية)
هناك إقتراحات للربط بين إسم ميخائيل وبين الإله الكنعاني ميكال Mikal[1] (وجدت حفائره في بيت سان أو بيسان – تقع في وادي الأردن حوالي 30كم من بحر الجليل)، لكن لا يوجد مبرر لقبول هذا الإقتراح، فالإسم لا يتكرر كثيرا في العهد القديم خاصة في النصوص المبكرة والتي لا نرى فيها عقيدة متطورة او مفصلة عن الملائكة كما أننا لا نستطيع ان نربط اي ربط مباشر بين ميكال وبين ميخائيل.
 (تابع بالأسفل)

العهد القديم:
في دانيال 10 و12 نجد اولى الإشارات للملاك ميخائيل، كواحد من الملائكة الأساسيين الذين يتحدثون إلى دانيال ضد ملائكة الأمم ( فارس: دانيال 13:10، اليونان: دانيال 20:10). هذه المشاهد التي يظهر فيها ميخائيل هي مشاهد آخروية حيث يكشف الملاك –الذي لايحمل إسمًا- عما سيحدث في نهاية الأيام (14:10)، ويبدو دور ميخائيل الأخروي واضحا ايضا في (دانيال 1:12).

الأدب اليهودي:

1. المدراش:
ينسب مدراش رابا Midrash Rabba مزمور 85 لميخائيل، كما ينسب إليه أيضا انه قضى على 185000 محارب من جيش الملك الأشوري سنحاريب في ليلة واحدة أثناء تهديد اورشليم عام 701 ق.م. [2]، بالإضافة يشير المدراش ان ميخائيل هو الملاك الذي ظهر لإبراهيم عندما أوشك على تقديم إبنه إسحق ذبيحة[3].

2. التلمود البابلي:
في التلمود البابلي يحتل ميخائيل مكانة مميزة في السماء: " المذبح المبني [في السماء]. 15 حيث ميخائيل الأمير العظيم، 16 يقف ويقدم هناك تقدمة"[4]،
ومثلما في قمران ميخائيل أيضًا هو حامي شعب الله والمسئول عنه: " الواحد المقدس، ليتبارك، قال لميخائيل: 4 ميخائيل، أمتك إرتكبت الخطايا. أجاب ميخائيل: رب الكون! ليكن الصالحين بينهم كافيين امامك"[5]. يظهر هذا الدور أيضًا في إنقاذ ميخائيل للوط قبل دمار سدوم وعمورة: " من هم الثلاثة رجال؟ - ميخائيل، جبرائيل وروفائيل. ميخائيل جاء ليخبر سارة بالأنباء [انباء ميلاد اسحق]، روافائيل ليشفي ابراهيم. 26 وجبرائيل ليقلب سدوم. 37 لكنه ليس مكتوب، ذهب اثنين من الملائكة لسدوم- ميخائيل صاحبه لينقذ لوط."[6]
يصور لنا التلمود البابلي ان هناك صراعًا بين ميخائيل وجبرائيل: " كان هناك صراع بين اثنين من الملائكة في السماء جبرائيل وميخائيل"[7]، لكن ميخائيل هو الأعظم: " عظيمة هي [مآثر] المنسوبة لميخائيل أكثر منها التي لجبرائيل. لأنه مكتوب عن ميخائيل: ثم طار إلي واحد من السيرافيم (راجع أشعياء 6)، 31 بينما مكتوب عن جبرائيل: الرجل جبرائيل الذي رأيته في حلم في البداية جُعل يطير في رحلة (راجع دانيال 8و9)"[8].
لكن بالرغم من كل التعظيم الذي يناله ميخائيل فلا يمكن تقديم ذبائح أو تقدمات له: " لا تستطيع ان تقدم ذبيحة لميخائيل الملاك العظيم لأن هذا يندرج تحت فئة تقديم الذبائح للأشياء الميتة"[9]، ويعطينا هذا إشارة لمدى تمسك التلمود بالوصايا العشر خاصة الوصية الأولى.

3. لفائف البحر الميت (قمران):
في تلك الكتابات :ميخائيل" هو رئيس الملائكة الأبرز. يتكرر إسمه عشر مرات في هذا اللفائف[10]:
أربع مرات في مخطوط بعنوان War Scroll (1QM)
مرة في مخطوط اخنوخ Enoch (4Q201-202)
مرة في مخطوط بعنوان War Rule (4Q470)
مرتان في شظايا تتحدث عن صدقيا (4Q470)
مرة في مخطوط بعنوان Words of Michael (4Q529)

في هذه النصوص يلعب ميخائيل أدوارًا متنوعة،  فهو حامي شعب الله، حامل القضاء الإلهي، معلن الأسرار السمائية، ووسيط لعهد. يظهر ميخائيل ايضا مرتبطاً برؤساء ملائكة آخرين مثل جبرائيل، في بعض الأحيان هؤلاء الرؤساء أربعة أو سبعة[11].
من المهم هنا أن نشير لإربتاط ميخائيل مع فكرة الثنائية Dualism والتي تبدو جلية في نصوص قمران، في هذا السياق يحارب ميخائيل مع جانب الخير ضد بليعال وقوى الشر.

في مخطوط تنظيم الحرب (بين أبناء النور وأبناء الظلام) (1QM) من ضمن مخطوطات قمران، يبدو ملكي صادق أنه رئيس الملائكة ميخائيل الذي هو "أمير النور" (1QM 13:10; 16:6-8; 17:7)[12]

الأدب الأبوكريفي:

ميخائيل يحتل عادة مراكز متقدمة (راجع صعود اشعياء Ascension of Isaiah 16: 3)، وهو حامي إسرائيل (راجع دا 1:12، 1QM 17) وبالتالي هو خصم للشيطان (راجع رؤ 7:12) .
وفي الأدب الأبوكريفي في فترة ما بين العهدين نجد إشارات إلي أن هناك سبع رؤساء ملائكة[13] (I En. 9:1; 20:1–7; 40:9; Tob. 12:15)، هذه المعلومات تقابل ماهو موجود في (رؤ 2:8).

العهد الجديد:

1. رؤيا يوحنا:
أولى إشارات العهد الجديد للملاك ميخائيل نجدها في رسالة يهوذا (سنناقشها في الفصل القادم)
وثاني هذه الإشارات نجدها في (رؤ 7:12-9) حيث يتحدث النص عن المعركة الأخيرة بين ميخائيل والشيطان: "وحدثت حرب في السماء: ميخائيل وملائكته حاربوا التنين. وحارب التنين وملائكته".
هذا النص يعكس نفس الأفكار التي نجدها عن ميخائيل في الكتابات السابقة، فميخائيل هنا هو رئيس ملائكة: "ميخائيل وملائكته"، وهو المدافع والحامي والمقاتل: "حاربوا التنين وملائكته". نلاحظ أن هذه هي المرة الأولى التي يذكر فيها يوحنا إسمًا لملاك، لا يبدو ان يوحنا كان مهتمًا بأسماء الملائكة على الإطلاق[14]، لذا يُحتمل ان ذكره لإسم ميخائيل له دلالة خاصة في هذا الموضوع تحديدًا، فيوحنا لا يذكر إسم ميخائيل مطلقًا مرة أخرى بالرغم انه كان من الملائم ذكره في (يوحنا 1:20-3). لكن من الواضح ان إنتصار ميخائيل ليس منه لكن معتمد على إنتصار المسيح، فبينما ميخائيل يقود الحرب في السماء فالمسيح قد خاض الحرب الحقيقية وأنتصر على الصليب وهذا يبدو جليًا في كلمات يسوع في (يو 31:12-33): " الآن دينونة هذا العالم. الآن يطرح رئيس هذا العالم خارجا. وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إلي الجميع. قال هذا مشيرا إلى أية ميتة كان مزمعا أن يموت".

2. رسالة يهوذا:
"وأما ميخائيل رئيس الملائكة، فلما خاصم إبليس محاجا عن جسد موسى، لم يجسر أن يورد حكم افتراء، بل قال: «لينتهرك الرب»" (يهوذا 9:1)
يشير كل من اوريجانوس De principiis, III,2,1 وجاليوس 2,21,7 واكليمنضدس السكندري Adumb. in Ep. Judae إلي ان هذه الرواية مقتبسة من احد الكتابات المنحولة والتي تسمى "صعود موسى The Assumption of Moses"  هو كتاب منحول، ليس لدينا منه غير نسخة واحدة ترجع للقرن السادس الميلادي وهي نسخة لاتينية يرجح أنها غير كاملة[15]. إلا اننا لا نستطيع ان نجد أي إشارة لهذا الموضوع في النسخة المتوافرة لدينا.
هناك عدة إحتمالات:
1. من المحتمل ان المخطوط الذي لدينا Ceriani's manuscript هو لكتاب آخر غير "صعود موسى" ويحتمل أنه لكتاب يُدعى "شهادة موسى The Testament of Moses"، فالمصادر القديمة تشير لوجود الكتابين. المخطوط اللاتيني لا يحمل عنوان، لكن العنوان تم وضعه من قبل بعض محرري المخطوط نتيجة مطابقة الآية 14:1 منه مع إقتباس من الكتاب الأصلي في Historia Ecclesiastica of Gelasius of Cyzicus (2,17,17)... لكن على الجانب الآخر هذا المخطوط لا يصف أي صعود لموسى لكنه ينقل شهادة موسى الأخيرة قبل وفاته، لذا ربما كون هذا هو كتاب "شهادة موسى"
2. المخطوط الذي لدينا غير مكتمل، وهو يمثل شهادة موسى الأخيرة قبل وفاته. نهاية المخطوط مفقودة، وهناك إشارة ضمنية ربما تشير إلي ان النهاية المفقودة قد تحتوي على الرواية التي إقتبسها يعقوب، في 5:11-8 يتحدث يشوع مع موسى عن وفاته القريبة ودفنه قائلا: "5 أي مكان سيستقبلك (يتسع لك)، 6 أو ماهو الشاهد الذي سيوضع على قبرك؟، 7 أو من هو الإنسان، الذي يجرؤ على حمل جسدك من مكان لآخر؟ 8 لأنه كل الذين يموتون عندما يحين وقتهم لهم قبراً في الأرض. لكنك قبرك يمتد من المشرق إلي المغرب ومن الشمال إلي أقصى الجنوب. العالم كله هو قبرك"
من المرجح ان هذه إشارات لصعود جسد موسى للسماء، مما يدعم فكرة أن النهاية المفقودة للنص تحمل تفاصيل أكثر عن هذا الأمر.

لم يستطع رئيس الملائكة ان يصدر حكما على الشيطان الذي هو رئيس كل قوى الشر، الملائكة لا تحكم تصدر أحكاما بل الله فقط (قارن مع زكريا 3، رؤيا يوحنا 12)

ميخائيل في التراث القبطي[16]:

تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بعيدين أساسيين غير مناسبات أخرى للملاك ميخائيل، العيد الأول هو في الثاني عشر من هاتور (ثالث الشهور القبطية)، والعيد الثاني هو في الثاني عشر من بؤونة (عاشر الشهور القبطية).
العيد الثاني كان يقع في بدء الفيضان، وكان عيدًا فرعونيًا للإله حابي إله النيل، وعندما تحول أهل مصر للمسيحية تحول هذا العيد إلي عيد لرئيس الملائكة ميخائيل بصفته رئيس الملائكة الواقف أمام العرش الإلهي في السماء يشفع في الناس ويرفع إلى الله صلواتهم ويطلب من الله إرتفاع مياة النيل[17]. وكان لهذه الفكرة تأثيرها على الليتورجيا القبطية، نقرأ في التماجيد: " ميخائيل رئيس الملائكة الطاهر قائم عن يمين الله، يطلب عن أهوية السماء وثمرات الأرض، ومياه النيل، كي تمتلئ ويصعدها كحدها (وفاء النيل) على وجه الأرض كلها"، هذه الصيغة تتكرر عدة مرات في التماجيد الكنسية.
وفي كتاب الدفنار نقرأ أيضًا: "هوذا ماء النهر (النيل) يكمل كحده بطلبات ميخائيل رئيس الملائكة العظيم، وكل الأثمار التي على الأرض ينميها الله بطلبات ميخائيل العظيم".
ويشير الخولاجي في قسمة عيد القيامة والخمسين أن ميخائيل هو الذي دحرج الحجر عن باب القبر: "ميخائيل رئيس الملائكة نزل من السماء، ودحرج الحجر عن باب القبر، وبشر النسوة الحاملات الطيب قائلاً: المسيح قام من بين الأموات"، وفي إبصالية آدم للقيامة والتي تقال في أحد توما: " تكلم ميخائيل معكن (مع النسوة حاملات الطيب) هكذا بفرح قائلاً: ليس هو ههنا".
هناك معتقدات أخرى خاصة بميخائيل في التراث القبطي: فهو أحد الملاكين اللذين صاحبا الرب في ظهوره لإبراهيم في بلوطة ممرا، وهو أحد الملاكين اللذين أخرجا لوط من سدوم، وهو الملاك الذي نزل وأخمد نار الأتون الذي ألقي فيه الثلاثة فتية، وهو الذي نقل أخنوخ البار بجسده إلي المساكن العلوية على البكرات النارية، وهو الذي نقل جسد العذراء بعد نياحتها إلى السماء.

خاتمة:
الشئ المؤكد ان لميخائيل مكانة ما خاصة، وهذا يتضح من الكتاب المقدس والتراث المتناقل، لكن مكانة ميخائيل هي معطاة من الله وليست له، لذا فالمجد النهائي يجب أن يعود إلى الله وليس لميخائيل، يجب ان يعود لمصدر المجد نفسه.



[1] Karel Van Der Roorn, Bob Becking and Pieter W. Van Der Horst, Dictionary of Deities and Demons in the Bible, Brill, Leiden 1999, p. 569
[2] Evelyn Dorothy Oliver and  James R. Lewis, Angels: A to Z, Visible Ink Press 2008, p. 249
[3] Midrash Va-Yosha in A. Jellinek, Beit ha-Midrash, 1:38 cited in Encyclopedia Judaica V.14,
[4] Talmud - Mas. Menachoth 110a, 14-16; Talmud - Mas. Zevachim 62a, 8; Talmud - Mas. Chagigah 12b, 33; Talmud - Mas. Menachoth 110a, 15-16
[5] Talmud - Mas. Yoma 77a, 3-4
[6] Talmud - Mas. Baba Metzia 86b, 35-39
[7] Talmud - Mas. Baba Bathra 75a, 26
[8] Talmud - Mas. Berachoth 4b, 30-31
[9] Talmud - Mas. Avodah Zarah 42b, 15-16; Talmud - Mas. Chullin 40a, 1
[10] Lawernce H. Schiffman abd James C. Vanderkam, Encyclopdeia of the Dead Sea Scrolls: Vol 1, Oxford University Press 2000, p. 546
[11] Lawernce H. Schiffman abd James C. Vanderkam, Encyclopdeia of the Dead Sea Scrolls: Vol 1, Oxford University Press 2000, p. 547
[12]  أندريه دوبون ومارك فيلوننكو، مخطوطات قمران، ج1: الكتب الأسينية، ترجمة موسى ديب الخوري، دار الطليعة، دمشق 1998، ص237
[13] Kistemaker, Simon J., Hendriksen, William: New Testament Commentary: Exposition of the Epistles of Peter and the Epistle of Jude. Grand Rapids : Baker Book House, 2001, p. 385
[14] Darrell D. Hannah, Michael and Christ: Michael Traditions and Angel Christology in Early Christianity, Tubingen: Mohr Siebeck  1999,  P. 127
[15] يمكن الرجوع لعدة ترجمات نشرت لهذا النص منها:
J. Priest Testament of Moses, a new Translation and Introduction in ed. James Charlesworth The Old Testament Pseudepigrapha, Vol 1, 1983
R.H Charles The Assumption of Moses, Translated from the Latin Sixth Century MS., the Unemended Text of Which Is Published Herewith, Together with the Text in Its Restored and Critically Emended Form, London 1897
Johannes Tromp, The assumption of Moses: A Critical Edition with Commentary,  Brill, Leiden 1993
[16] المرجع الرئيسي لهذا الجزء هو: [16] موسوعة الأنبا غريغوريوس، الجزء 19: اللاهوت النظري، الله والوجود والكون وطبيعة الملائكة، جمعية الأنبا غريغوريوس للبحث العلمي 2005
[17] موسوعة الأنبا غريغوريوس، الجزء 19: اللاهوت النظري، الله والوجود والكون وطبيعة الملائكة، جمعية الأنبا غريغوريوس للبحث العلمي 2005، ص358

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لحن آجيوس إستين (أوو كيريوس ميتاسو)

  ملحوظة لقراءة الكتابة القبطية يجب تحميل هذا ال Font (إضغط هنا) يُرجح أن الألحان الكنسية نشأت مع الكنيسة نشاة الكنيسة نفسها، وتنوعت الألحان بحسب التراث الثقافي والحضاري الذي نشأت فيه كل كنيسة محلية. وتعتبر الأحان الكنسية هي جزء لا يتجزأ من العبادة، فهي كما يشير القديس باسيليوس: إن الترنيم هو هدوء النفس ومسرة الروح، يسكن الأمواج ويسكت عواصف حركات قلوبنا.

الطقس القبطي وتطور القداسات الثلاثة

[محاضرة ضمن مادة الكنيسة القبطية التي أدرسها بكلية اللاهوت الأسقفية] الطقس الديني هو مجموعة أفعال وتصرفات رمزية يستخدم فيها الإنسان جسده (عن طريق حركات معينة أو إرتداء زي معين أو ترديد كلمات معينة) لكي يُجسد أفكاره ومفاهيمه الدينية، ويُعبر عن علاقته بالقوى الفائقة التي يعبدها، مع الوقت يصير الطقس نمطًا سلوكيًا وجزءًا اصليلآ من العبادة الدينية، فمن خلال الطقس الديني يعيد الإنسان إحياء وتعيين تجربة مقدسة هي تجربة/خبرة تفاعله/تلاقيه مع الله من هنا فالطقس الديني يحتوى على أمرين: الرمزية والسلوك الإجتماعي.  والطقس الديني الجماعي (مثل ليتورجيا القداس في الكنيسة القبطية) يعزز من الإحساس بالشركة والوحدة داخل الجماعة، فالأفراد يقومون بعمل واحد معًا، وبالتالي فهو يعبر بصورة حية عن مفهوم الكنيسة ووحدتها. والطقس الديني في أساسه ليس غاية لذاته بل وسيلة للتعبير عن الغاية: العلاقة مع الله/ الإيمان؛ وينفصل الطقس عن تلك الغاية، حينما تتحول الممارسة الدينية إلى غاية في ذاتها.

الثاليا: قصيدة آريوس، مقدمة وترجمة

الآريوسية هي المسيحية الحقيقة: "المسيحية الموحدة بالله"، قَدَمَ هذه الفكرة أحد الكتاب المصريين ونشرها في احد الجرائد الرسمية، وكتب عدة مقالات متفرقة عنها. ووصف آريوس والآريوسيين بالـ "مسيحيين الموحدين بالله"، وكان القصد من ذلك الإشارة أن المسيحية الأرثوذكسية التي واجهت للآريوسية لم تكن موحدة بالله لوجود فكرة الثالوث ، وان آريوس – كحامل للمسيحية الصحيحة- قدم المسيح كإنسان ونبي. لكن في مجمع نيقية تم الحكم على آريوس ظلمًا وإختراع فكرة الثالوث وتأليه المسيح.