التخطي إلى المحتوى الرئيسي

رسائل تنويرية: التعصب أسبابه وسقوطه


 رسائل تنويرية: التعصب أسبابه وسقوطه

ما الذي تعنيه كلمة تعصب او متعصب؟ Fanatic/Fanaticism
يقدم كل من ماثيو هيوجز وجانيور جونسون تتبعا تاريخيا لأصل كلمة تعصب، راجع
Matthew Hughes and Gaynor Johnson, Fanaticism and Conflict in the Modern Age, Frank Cass 2005
والتعريف الذي يمكن أن نستخلصه من هذه الدراسات المتعددة حول مصطلح: "التعصب" هو - كما يقول وينستون تشرشيل- أنه: "سلوك الشخص الذي لا يستطيع ان يغير رأيه ولا أن يغير موضوع تفكيره" ، بالإضافة أن هذا السلوك يتجه لرفض كل ماهو مختلف عنه وربما ينتهي الأمر أن يسلك سلوكا عدوانيا ضده.
بتبسيط أخر المتعصب هو الشخص الذي يعتقد انه وحده يمتلك الحق وكل ما دونه باطل وعلى هذا يجب عليه ان يرفض كل الباطل ولا يقبل غير نفسه.
 (تابع بالأسفل)

يبدأ تَكوُن التعصب من شعور الإنسان أنه يمتلك الحقيقة المطلقة هو فقط دون غيره، لكن في ذات الوقت يجد ان الذين حوله قد تفوّقوا عليه فيصيبه الشعور بالنقص عنهم ويسقط عقله في حيرة: كيف يتفوق عليه الآخرون وهو صاحب الحقيقة المطلقة؟،
وهنا يقف أمام حلين: الأول هو ان يعيد التفكير في مسألة تملكه للحقيقة المطلقة، أما الحل الثاني هو ان تتكون لديه القناعة أن سبب تخلفه عن الاخرين هو أنه لم يتمسك كما يجب بحقيقته المطلقة ولم يطبقها على حياته بالصورة السليمة وهنا يبدأ التعصب فعلياً.
لكن ما الذي يدفع الإنسان للإختيار الثاني، الإجابة بسيطة: أنه لم يعتاد على التفكير، فالتفكير بالنسبة له قد يمثل تهديداً لما يعتقده حقيقة مطلقة وهو يخاف أن تتكشف زيف وعيوب هذه الأفكار التي تمسك بها طوال سنوات وسنوات مضت وأعطته ذلك الشعور بالأمان.

مع الأسف ومنذ زمن بعيد هجر الإنسان العقل، وترك عقله ليخضع للإوصياء، وترك لهم حرية التحكم بعقله وتقيده بل والتفكير نيابة عنه، فقد أقنعه هؤلاء الأوصياء أنه لا يستطيع أن يعتمد على عقله في التفكير، فعقله ضعيف -حسب قولهم- وغبي وهو لم ينضج بعد وهو لم يدرس بما يكفي وانه لا يمتلك كل المعرفة التي تؤهله للتفكير والحكم في الأمور مثلهم هم. وأقتنع الإنسان وأكتفى بأن يدافع بحياته عما أفهموه أياه أنه الحقيقة المطلقة التي يجب ان يحفظها ويطبقها ويدفع حياته عنها لو تطلب الأمر. وفقد الإنسان بالتالي الرغبة في المعرفة، فلماذا يفكر مدام في مقدور الاخرين أن يفكروا بالنيابة عنه ولماذا يسعى هو للمعرفة طالما يمكنه سؤال غيره؟!.

وداعاً للعقل إذاً: هو اللارشد وهي جرثومة الفكر الأوحد.

والحل؟!
الحل يبدأ من إقتناع الإنسان أن العقول متساوية عند جميع البشر، فالعقل هو الذي يجعل الإنسان مختلفاً عن الحيوان، وهو الذي يميزه عن باقي الخلقية، وإنطلاقاً من هذا الإقتناع يستطيع أن يبدأ في إستخدام عقله والتخلص عن وصاية الآخرين عليه فعقله مساو لعقلهم: هو يفكر إذاً، هو يستطيع الوصول للحقائق أيضاً مثلهم وهو يستطيع أن يحللها ويقبلها أو يرفضها، وعندها يكتشف ببساطة أن إختلاف الأفكار بين البشر وهي نتيجة تباين الطرق في إستخدام والتالي سيعلم أن الحقيقة نسبية ولم تكن يوماً مطلقة مثلما قالوا له وهنا يبدأ التنوير وإسترداد العقل وسقوط التعصب.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لحن آجيوس إستين (أوو كيريوس ميتاسو)

  ملحوظة لقراءة الكتابة القبطية يجب تحميل هذا ال Font (إضغط هنا) يُرجح أن الألحان الكنسية نشأت مع الكنيسة نشاة الكنيسة نفسها، وتنوعت الألحان بحسب التراث الثقافي والحضاري الذي نشأت فيه كل كنيسة محلية. وتعتبر الأحان الكنسية هي جزء لا يتجزأ من العبادة، فهي كما يشير القديس باسيليوس: إن الترنيم هو هدوء النفس ومسرة الروح، يسكن الأمواج ويسكت عواصف حركات قلوبنا.

الطقس القبطي وتطور القداسات الثلاثة

[محاضرة ضمن مادة الكنيسة القبطية التي أدرسها بكلية اللاهوت الأسقفية] الطقس الديني هو مجموعة أفعال وتصرفات رمزية يستخدم فيها الإنسان جسده (عن طريق حركات معينة أو إرتداء زي معين أو ترديد كلمات معينة) لكي يُجسد أفكاره ومفاهيمه الدينية، ويُعبر عن علاقته بالقوى الفائقة التي يعبدها، مع الوقت يصير الطقس نمطًا سلوكيًا وجزءًا اصليلآ من العبادة الدينية، فمن خلال الطقس الديني يعيد الإنسان إحياء وتعيين تجربة مقدسة هي تجربة/خبرة تفاعله/تلاقيه مع الله من هنا فالطقس الديني يحتوى على أمرين: الرمزية والسلوك الإجتماعي.  والطقس الديني الجماعي (مثل ليتورجيا القداس في الكنيسة القبطية) يعزز من الإحساس بالشركة والوحدة داخل الجماعة، فالأفراد يقومون بعمل واحد معًا، وبالتالي فهو يعبر بصورة حية عن مفهوم الكنيسة ووحدتها. والطقس الديني في أساسه ليس غاية لذاته بل وسيلة للتعبير عن الغاية: العلاقة مع الله/ الإيمان؛ وينفصل الطقس عن تلك الغاية، حينما تتحول الممارسة الدينية إلى غاية في ذاتها.

الثاليا: قصيدة آريوس، مقدمة وترجمة

الآريوسية هي المسيحية الحقيقة: "المسيحية الموحدة بالله"، قَدَمَ هذه الفكرة أحد الكتاب المصريين ونشرها في احد الجرائد الرسمية، وكتب عدة مقالات متفرقة عنها. ووصف آريوس والآريوسيين بالـ "مسيحيين الموحدين بالله"، وكان القصد من ذلك الإشارة أن المسيحية الأرثوذكسية التي واجهت للآريوسية لم تكن موحدة بالله لوجود فكرة الثالوث ، وان آريوس – كحامل للمسيحية الصحيحة- قدم المسيح كإنسان ونبي. لكن في مجمع نيقية تم الحكم على آريوس ظلمًا وإختراع فكرة الثالوث وتأليه المسيح.