التخطي إلى المحتوى الرئيسي

صلاة منسى الملك: دراسة وترجمة


صلاة منسى الملك
The Prayer of Manasseh
ترجمة وإعداد: مينا فؤاد توفيق

مقدمة:
هو عمل قصير يحتوى على 15 آية، يُنسب للملك "منسى" ملك يهوذا [رج 2مل1:21-18و2مل 1:33-17[
صلاة منسى نجدها في بعض نسخ الترجمة السبعينية مثل النسخة السكندرية (وهي من القرن الخامس) وهي موجودة ضمن اربعة عشر قصيدة موضوعة بعد المزامير مباشرة. ضمنها البابا اكليمنضس (1536-1605م) في ملحق لترجمة الفولجاتا، لكنها لم تكن معروفة لجيروم فيما يبدو.
أول ظهور لهذه الصلاة نجدها في الديدسكاليا Didascalia Apostolorum[1]  والتي يرجع تاريخ وضعها للقرن الثالث الميلادي (لكن أقدم مخطوط منها يرجع للقرن السابع او الثامن الميلادي)[2]. أما التاريخ المرجح لكتابة هذه الصلاة هو بين 250 ق.م. والقرن الأول الميلادي.
(تابع بالأسفل)

هذه الصلاة أيضاْ نجدها في الترجمات: السريانية القديمة، السلوفانية، الأثيوبية، والأرمينية.
النصوص الرئيسية لهذه الصلاة هي يونانية وسريانية. والنص العبري الوحيد يرجع للقرون الوسطى وقد وُجد في مخطوطات الجنيزا Geniza في القاهرة[3].  لكن هذا النص العبري (والذي يرجع للقرن العاشر) هو مُترجم من النص اليوناني، وليس منسوخًا عن أصل عبري مفقود، فعلى سبيل المثال نجد المترجم العبري يسيء فهم وترجمة الآية رقم 13[4] ويصبغ عليها طابع أدبي راباني Rabbinic.
في الواقع لايوجد لدينا أدلة مقنعة أن النص اليوناني الموجود ليس هو لغة الصلاة الأصلية وأنها قد كُتبت بالعبرية. لكن لازال هناك جدال عما إذا كانت الصلاة قد كُتبت بواسطة شخص مسيحي أم يهودي[5].
الصلاة تحتل مركزاْ هاماْ في الصلوات الليتورجية خاصة في صلوات الكنيسة الأرثوذكسية القبطية في ليلة "ابوغلمسيس" وكذلك في صلوات السواعي الكنيسة البيزنطية الكاثوليكية.

النص:
 وهو حسب النص الإنجليزي لترجمة الملك جيمس (مع مقارنة في الهوامش للنصين السرياني واليوناني):

1 يارب، إله آبائنا القدير: إبراهيم وإسحق[6] ويعقوب وذريتهم البارة
2 الذي صنعت[7] السماوات والأرض وكل زينتهم[8]
3 الذي ربط[9] البحر بأمر كلمته[10]، الذي أغلق العمق[11] وختمه بإسمه المهوب المجيد
4 الذي يهابك كل بشر[12] ويرتعدون أمام قوتك
5 لأن عظمة مجدك[13] لا تحتمل وغضبك تجاه الخطاة لا يُقدر عليه[14]
6 لكن وعدك الرحيم[15] لايقاس ولايفحص
7 لأنك عال[16] يارب عطوف وصبور رحيم جدا وتقبل توبة الأشرار
]أنت يارب بصلاحك العظيم وعدتهم بالتوبة والغفران، هؤلاء الذين أخطأوا نحوك، وبمراحم لا تحصى عينت توبة للخطاة حتى يقدروا أن يخلصوا][17].
8 أنت يارب إله العدل لم تعين توبة للابرار كإبراهيم وإسحق ويعقوب الذين لم يخطئوا نحوك، بل أنت عينت التوبة لأجلي أنا الخاطئ،
9 لأني أخطأت أكثر من رمل البحر[18]، تعدياتي يارب قد تضاعفت، وأنا غير مستحق لكي أقف وأنظر علو السماوات لأجل كثرة خطاياي.
10 لكنني منحني بأثقال الحديد الكثيرة حتى أني لا أقدر أن أرفع رأسي، لأنني أثرت غضبك وفعلت الشر قدامك، ولم أفعل مشيئتك ولم  أحفظ وصاياك. لقد صنعت رجاساتي، وضاعفت تعدياتي[19].
11 لذلك الآن، أحني ركبة قلبي راجيا نعمتك[20].
12 لقد أخطأت يارب وعرفت تعدياتي،
13 لذا بكل تواضع ألتمسك، أغفر لي يارب، أغفر  لي[21]، لاتغضب مني ولا تهلكني بخطاياي بأن تقلب الشر ضدي، ولا تحاكمني إلى طبقات الأرض السفلى لأنك الله، حتى لهؤلاء الذين يتوبون،
14  وفيا ستظهر رحمتك لأنك ستنقذني، مع اني غير مستحق لرحمتك العظيمة
15  لذلك سأسبحك إلى الأبد كل أيام حياتي لأن كل قوات السماوات تسبحك وفي مجد دائم من الأبد وإلى الأبد آمين.

التحليل اللاهوتي للنص:
يحمل النص فكرًا يهوديا يرجع لأورشليم Palestinian Judaism وليس للفكر اليهودي الهيليني[22].
النص يحتوي على فكرتين رئيسيتين:
1. حنو الله القدير الذي بلا نهاية.
2. فعالية التوبة الحقيقية.

تبدأ الصلاة بالحديث عن عظمة الله القدر، وموقفة من الخطاة والأبرار. في الآية (8) يرتكب الكاتب خطًأ  لاهوتيًا إذ يعتبر أن الأباء ابراهيم وإسحق ويعقوب هم إبرار والله لم يعين لهم توبة لأنهم لم يخطئوا نحوه.
هناك عدة ملامح الخاصة بالفكر اليهودي نجدها في الصلاة[23]:
1) الفاعلية الفائقة المرتبطة بالإسم المقدس لله (عدد 3)
2) التوبة هي معينة من قبل الله لبعض الأشخاص وليس لكل الناس (عدد 8)
3) تصوير الجحيم (طبقات الأرض السلفى) كمكان يتكون من طبقات (درجات) (عدد 12)
4) وصف الملائكة كقوات سمائية ¹ dunamij twn oÙranwm


[1] Didascalia Ch. 7:22, R. Hugh Connolly, trans.,  Didascalia Apostolorum, Oxford,Clarendon Press 1929
[2] Lynn LiDonnici and Andrea Lieber, editors, Heavenly Tablets: Interpretation, Identity and Tradition in Ancient Judaism, Brill, Leiden 2007, p. 77
[3] Lynn LiDonnici and Andrea Lieber, editors, Heavenly Tablets: Interpretation, Identity and Tradition in Ancient Judaism, Brill, Leiden 2007, p. 76
[4] Lynn LiDonnici and Andrea Lieber, editors, Heavenly Tablets: Interpretation, Identity and Tradition in Ancient Judaism, Brill, Leiden 2007, p. 80
[5]  للمزيد عن هذه النقطة راجع
James R. Davila, Is the Prayer of Manasseh a Jewish Work?, in Lynn LiDonnici and Andrea Lieber, editors, Heavenly Tablets: Interpretation, Identity and Tradition in Ancient Judaism, Brill, Leiden 2007, pp. 75- 85
[6]  النص السرياني تضيف "إله" قبل إسحق
[7]  نص يوناني آخر: "خلقت"
[8]  أو "كل ترتيبهم المحكم"
[9]  السريانية تضيف: "وأسست"
[10]  هذا الترتيب حسب النص السرياني لكن النص اليوناني يعكس الترتيب هكذا : "بكلمه أمره"
[11]  حسب اليوناني: "الهاوية"
[12]  حسب اليوناني: "كل الأشياء"
[13]  حسب اليوناني: "مجد عظمتك"
[14]  أو "هو طاغٍ"
[15]  حسب اليوناني: "لأن رحمة وعدك"
[16]  النص السرياني يفقتد لكلمة "عال"
[17]  هذا الجزء من الآية السابعة غير موجود في بعض المخطوطات لكنه موجود في كل من Codex Alexandrinus و Codex   Turicensis كذلك أيضاً الديدسكاليا (قوانيين الرسل)، لكن معظم المخطوطات تفتقر لهذا النص.
[18]  أو: "لأن خطاياي فاقت رمل البحر"
[19]  حسب النص اليوناني: "لأني منحني بثقل كثير من الروابط الحديدية، لذلك انا مستعد للإستسلام بسبب ذنوبي. ليست لي راحة لأني أثرت غضبك وأرتكبت الشر أمام عينيك، نصبت رجاساتي وأزدت من عدد الأصنام"
[20]  أو: "لذلك أنحني راجياً رحمتك"
[21]  النص السرياني لا يحوي هذا التكرار لجملة "أغفر لي"
[22] Encyclopedia Judaica, 2nd Edition, Vol. 13, p. 453
[23] R. H. Charles, The Apocrypha and the Pseudepigrapha of the Old Testament, Vol. 1, Oxford 1913, p. 616 

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لحن آجيوس إستين (أوو كيريوس ميتاسو)

  ملحوظة لقراءة الكتابة القبطية يجب تحميل هذا ال Font (إضغط هنا) يُرجح أن الألحان الكنسية نشأت مع الكنيسة نشاة الكنيسة نفسها، وتنوعت الألحان بحسب التراث الثقافي والحضاري الذي نشأت فيه كل كنيسة محلية. وتعتبر الأحان الكنسية هي جزء لا يتجزأ من العبادة، فهي كما يشير القديس باسيليوس: إن الترنيم هو هدوء النفس ومسرة الروح، يسكن الأمواج ويسكت عواصف حركات قلوبنا.

الطقس القبطي وتطور القداسات الثلاثة

[محاضرة ضمن مادة الكنيسة القبطية التي أدرسها بكلية اللاهوت الأسقفية] الطقس الديني هو مجموعة أفعال وتصرفات رمزية يستخدم فيها الإنسان جسده (عن طريق حركات معينة أو إرتداء زي معين أو ترديد كلمات معينة) لكي يُجسد أفكاره ومفاهيمه الدينية، ويُعبر عن علاقته بالقوى الفائقة التي يعبدها، مع الوقت يصير الطقس نمطًا سلوكيًا وجزءًا اصليلآ من العبادة الدينية، فمن خلال الطقس الديني يعيد الإنسان إحياء وتعيين تجربة مقدسة هي تجربة/خبرة تفاعله/تلاقيه مع الله من هنا فالطقس الديني يحتوى على أمرين: الرمزية والسلوك الإجتماعي.  والطقس الديني الجماعي (مثل ليتورجيا القداس في الكنيسة القبطية) يعزز من الإحساس بالشركة والوحدة داخل الجماعة، فالأفراد يقومون بعمل واحد معًا، وبالتالي فهو يعبر بصورة حية عن مفهوم الكنيسة ووحدتها. والطقس الديني في أساسه ليس غاية لذاته بل وسيلة للتعبير عن الغاية: العلاقة مع الله/ الإيمان؛ وينفصل الطقس عن تلك الغاية، حينما تتحول الممارسة الدينية إلى غاية في ذاتها.

هل كان المسيحيون الأوائل أكثر إيمانًا وقداسة منا اليوم؟

  عزيزي، أنت تؤمن أن مسيحيو الماضي قد وُهبُوا إيمانًا وقداسة فائقين، فقد عَبَرْوا من بوتقةِ الاضطهاد العنيف والالام التي تتجاوز عتبة التحمل لمن هم في العصر الحديث. كما أنك تؤمن أن القديسين والشهداء الأوائل، ونُساك الصحراء هم نموذج لا يُمكن لنا نحن المؤمنين المعاصرين تحقيقه. ها أنت تأبى أن تترك حنين الماضي، أو أن تُقْدِمُ على الفحصِ المتأني للمشهد الإيماني المعاصر، حتى تكتشف ذلك النسيج المعقد للحاضر، الذي يتحدى هذه المقارنات السهلة.