التخطي إلى المحتوى الرئيسي

صوم نينوى (يونان): دراسة تاريخية موجزة

صوم نينوى: دراسة تاريخية موجزة[1]

يقع صوم نينوى دائمًا قبل بدء الصوم المقدس الكبير بأسبوعين. مدة هذا الصوم حسب طقس الكنيستين السريانية والقبطية هو ثلاثة أيام. أما الأرمن الأرثوذكس فيصومونه خمسة أيام، ولا تعرفه الكنيسة اليونانية.
دخل هذا الصوم إلي الكنيسة القبطية في أيام البابا إفرام (إبرآم) إبن زرعة السرياني (976- 979م) البطريرك ال62 في القرن العاشر[2]. وقد ورد في مقدمة قطمارس الصوم الكبير هكذا: "... ومن أمره [أي البابا ابرام] أنه لم يرغب بادئ أن يصوم أسبوع هرقل[3] الجاري ممارسته عند الأقباط. ولكنه صامه في مقابل كونه فرض عليهم أن يصوموا ثلاثة أيام على اسم يونان. فنظرًا لتقواه قبل الأقباط ممارسة هذا الصوم بغير تردد"[4].

ويَرد الأنبا إيسوذورس في الخريدة النفسية نفس الكلام[5]: " لما حل الصوم الكبير صام شعب الكنيسة القبطية جمعة  هرقل التى إنفرد بصومها الأقباط عن عموم المسيحيين فصامها البطرك الأنبا أبرآم الأنطاكى الأصل معهم إذ كان من غير الائق أن يفطر فى الوقت الذى فيه أولاده صائمين ولما حان صوم يونان صام البطرك فإقتدى به بنوه ومن ثم حافظت الكنيسة القبطية على هذه العادة إلى يومنا هذا ."
كان فرض هذا الصوم بسبب كون البابا ابرآم سرياني الأصل، وتشير المصادر السريانية ان هذا الصوم يرتقي إلى ما قبل القرن الرابع الميلادي، ونستدل على ذلك من ميامر مار أفرام السرياني (373+) وأناشيده. وكان عدد أيام هذا الصوم قديماً ستة، أما الآن فهو ثلاثة أيام فقط تبدأ صباح الاثنين الثالث قبل الصوم الكبير وكان قد أهمل عبر الأجيال، ويذكر مار ديونيسيوس ابن الصليبي (1171+) أن مار ماروثا التكريتي (649+) هو الذي فرضه على كنيسة المشرق في منطقة نينوى أولاً، ويقول ابن العبري نقلاً عن الآخرين أن تثبيت هذا الصوم جرى بسبب شدة طرأت على الكنيسة في الحيرة (وباء خطير فتك بالأهالي) فصام أهلها ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ مواصلين الصلاة إتماماً لوصية أسقفهم (مار سوريشو مطران) الذي أراد تقليد أهل نينوى لعل الله يستجيب ويخلصهم من الوباء، فنجاهم اللّه من تلك التجربة.
ومن ثمّ ظل هذا الصوم يتأرجح حينًا من الوقت، حتى نجده قد صار صومًا مستقرًا في الكنيسة في قوانين ابن العسال في القرن الثالث عشر[6]، حيث يقول: "والأصوام الزائدة على ذلك المستقرة في البيعة القبطية. منها ما يجري مجرى الصوم الكبير في التأكيد وهي جمعة هرقل مقدمة الصوم الكبير وصوم اهل نينوى ثلاثة أيام"
 كما ذكره ابن كبر (+1324م) كصوم مستقر في الكنيسة[7].
ولما جاء البابا غبريال الثامن (1587- 1603م) البطريرك ال97، أمر بألا تصام أيام نينوى الثلاثة فلم يجد صدى لأمره.



[1] معظم المعلومات هي من [أثناسيوس المقاري، الدرة الطقسية للكنيسة القبطية: صوم نينوى والصوم المقدس الكبير، دار مجلة مرقس2009، ص19-56] إلا في حالة ذكر مرجع آخر
[2] كان إبراهيم ابن زرعة (اسمه قبل الرسامة) سرياني الأصل وتاجرًا ثريًا، كثير التردد على مصر حتى أقام فيها
[3] جاء فى كتاب قطمارس الصوم الكبير حسب طقس الكنيسة القبطية ما يلى : " والأصوام الزائدة المستقرة فى البيعة القبطية منها ما يجرى مجرى الصوم الكبير فى التأكيد وهى جمعة هرقل التى صارت مقدمة للصوم الكبير .. وذلك أنه لما رجع هرقل ملك الروم على بيت المقدس فوجده خراباً وقد هدم اليهود الكنائس والقبر المقدس وغيرها وأحرقوا النصارى بالنار ، فطلب منه أهل القدس قتل اليهود فأعتذر لأنه أعطاهم الأمان واليمين أى أقسم لهم ، فقالوا له : أما الأمان فقد علمه كل أحد منهم إحتالوا عليك فيه ، وأما اليمين فنحن وجميع النصارى بكل الأقاليم نصوم عنك أسبوعاً فى كل سنة على ممر الأيام وإلى إنقضاء الدهر ....!! وكتب البطاركة والأساقفة إلى جميع البلاد بصوم هذا الأسبوع الأول من الصوم الكبير ... " وهذه القصة مذكورة أيضاً بالتفصيل كما يؤكد لنا المرجع السابق فى كتاب " نظم الجوهر " لإبن بطريق . ويشير ابن كبر في مصباح الظلمة في ايضاح الخدمة الباب ال18 "حضر هرقل الي بيت المقدس فوجده خرابًا وقد هدمت اليهود الكنائس والقبر المقدس... فسأله أهل القدس قتل اليهود فأعتذر لهم... فقالوا له... فنحن وجميع النصارى بجميع الأقاليم نصوم عنك اسبوع في كل سنة"
رج كيرلس كيرلس، أصوامنا بين الماضى والحاضر، كنيسة مار جرجس بخمارويه 1982، ص 136
[4] قطمارس الصوم الكبير، عني بطبعه للمرة الثانية أثناسيوس مطران كرسي بني سويف والبهنسا والقمص برنابا البراموسي رئيس دير السيدة برموس سابقًا في عهد البابا المكرم الأنبا يوساب الثاني ال115 (1669ش/1953م) ص4
[5] الخريده النفيسه  فى تاريخ الكنيسه للأسقف الأنبا إيسوزورس طبع القاهره 1923 الحزء الثانى 236
[6] جرجس فيلوثاؤس عوض، المجموع الصفوي، جزء 1، مؤسسة مينا للطباعة 1991، الباب الخامس عشر، ص175
[7] مصباح الظلمة في ايضاح الخدمة لابن كبر الباب 18 [مصباح الظلمة في ايضاح الخدمة لابن كبر، الجزء الثاني، طبعة خاصة للمهتمين بالدراسات القبطية اعدها للنشر الراهب صموئيل السرياني 1992]

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لحن آجيوس إستين (أوو كيريوس ميتاسو)

  ملحوظة لقراءة الكتابة القبطية يجب تحميل هذا ال Font (إضغط هنا) يُرجح أن الألحان الكنسية نشأت مع الكنيسة نشاة الكنيسة نفسها، وتنوعت الألحان بحسب التراث الثقافي والحضاري الذي نشأت فيه كل كنيسة محلية. وتعتبر الأحان الكنسية هي جزء لا يتجزأ من العبادة، فهي كما يشير القديس باسيليوس: إن الترنيم هو هدوء النفس ومسرة الروح، يسكن الأمواج ويسكت عواصف حركات قلوبنا.

الطقس القبطي وتطور القداسات الثلاثة

[محاضرة ضمن مادة الكنيسة القبطية التي أدرسها بكلية اللاهوت الأسقفية] الطقس الديني هو مجموعة أفعال وتصرفات رمزية يستخدم فيها الإنسان جسده (عن طريق حركات معينة أو إرتداء زي معين أو ترديد كلمات معينة) لكي يُجسد أفكاره ومفاهيمه الدينية، ويُعبر عن علاقته بالقوى الفائقة التي يعبدها، مع الوقت يصير الطقس نمطًا سلوكيًا وجزءًا اصليلآ من العبادة الدينية، فمن خلال الطقس الديني يعيد الإنسان إحياء وتعيين تجربة مقدسة هي تجربة/خبرة تفاعله/تلاقيه مع الله من هنا فالطقس الديني يحتوى على أمرين: الرمزية والسلوك الإجتماعي.  والطقس الديني الجماعي (مثل ليتورجيا القداس في الكنيسة القبطية) يعزز من الإحساس بالشركة والوحدة داخل الجماعة، فالأفراد يقومون بعمل واحد معًا، وبالتالي فهو يعبر بصورة حية عن مفهوم الكنيسة ووحدتها. والطقس الديني في أساسه ليس غاية لذاته بل وسيلة للتعبير عن الغاية: العلاقة مع الله/ الإيمان؛ وينفصل الطقس عن تلك الغاية، حينما تتحول الممارسة الدينية إلى غاية في ذاتها.

هل كان المسيحيون الأوائل أكثر إيمانًا وقداسة منا اليوم؟

  عزيزي، أنت تؤمن أن مسيحيو الماضي قد وُهبُوا إيمانًا وقداسة فائقين، فقد عَبَرْوا من بوتقةِ الاضطهاد العنيف والالام التي تتجاوز عتبة التحمل لمن هم في العصر الحديث. كما أنك تؤمن أن القديسين والشهداء الأوائل، ونُساك الصحراء هم نموذج لا يُمكن لنا نحن المؤمنين المعاصرين تحقيقه. ها أنت تأبى أن تترك حنين الماضي، أو أن تُقْدِمُ على الفحصِ المتأني للمشهد الإيماني المعاصر، حتى تكتشف ذلك النسيج المعقد للحاضر، الذي يتحدى هذه المقارنات السهلة.