التخطي إلى المحتوى الرئيسي

نيقية وقسطنطين الكبير: قراءة في المصادر التاريخية

"إعتنق قنسطنطين الكبير المسيحية عام 312م، وكان اول من أصدر مرسوم ميلان الذي أصبحت المسيحية بموجبه الديانة الرسمية دون غيرها في الإمبراطورية. كما قرر أن يجعل يوم الأحد يوم عبادة وراحة من الأعمال، ولعب قسطنطين دورًا هامًا في تشكيل العقيدة المسيحية حينما دعا لعقد مجمع نيقية حيث جرى تأليه المسيح، وتحديد الأسفار المقدسة مع تهميش الكتابات الغنوسية".
هذه الإطروحة والتي تبدو وكأنها تسرد حقائق تاريخية، إنتشرت بكثرة في الأوساط المسيحية، إما نقلاً عن كتابات عربية غير مسيحية، أو كتابات ليبرالية غربية. لكن الأمانة البحثية تحتم علينا أن نسبر أغوار التاريخ لنعرف حقيقة ما حدث من قسطنطين وما حدث حقًا في نيقية.

ما الذي تقوله الحقائق التاريخية نيقية؟
البداية بدأت حينما طرح آريوس أفكاره الهرطوقية وتوافق معه يوسابيوس أسقف نيقوميدية، كان الأمر في وقت الحرب الأهلية، وقد شعر قنسطنطين أن هذا الأنقسام قد يؤدي لإنقسام المملكة. في العام 323م، عين قنسطنطين هوسيوس أسقف قرطبة (في أسبانيا الحالية) Hosius of Cordova ليساعد في حل هذا النزاع. سلم هوسيوس رسالة من الإمبراطور –يحتمل أن يكون هوسيوس نفسه هو كاتبها- لألكسندروس أسقف الإسكندرية وأريوس القس السكندري، لكن لم يكن للخطاب أي تأثير.
لذا بدعوة من الإمبراطور نفسه عقد مجمع نيقية في العام 325م، في مدينة نيقية في بيثينيا Bithynia، وهي مدينة حيوية قريبة من نيقوميديا. تكون المجمع من 318 أسقف (وهو الرقم الذي نستمده من كتابات أثناسيوس، باسيليوس، سقراطس، سوزومين، وثيؤدريت. بعض المصادر الأخرى تشير ان العدد كان ثلاثمائة أو مائتان وسبعون)[1]، بالإضافة لعدد كبير من القسوس، والدياكونيين، والمساعدين، أغلب هؤلاء كانوا قادمين من الشرق، وذلك لحسم الجدل الأريوسي، بالإضافة لتحديد موعد عيد الفصح، ومناقشة موضوع إعادة معمودية الهراطقة.
هناك أيضا دلائل واسعة أنه لم يكن هناك "بابا" أو "بطريرك" في فترة ما قبل نيقية أو وقت نيقية، نحن لدينا مواد أساسية باقية من مجمع نيقية مثل رسالة من يوسابيوس القيصري لكنيسته في قيصرية (وهي محفوظة في تاريخ الكنيسة لسقراطس ودفاع أثناسيوس عن نيقية)، ووصف لجلسات المجمع محفوظة في كتاب يوسابيوس عن حياة قنسطنطين[2]، رسائل من قنسطنطين ومن المجمع للكنائس، العشرون قانون التي أصدرها المجمع، ثم لدينا كتابات المؤرخين مثل سقراطس، وسزومين، وروفينيوس ويوسابيوس القيصري.
في الواقع لا يوجد في أي مصدر من المصادر القديمة التي أرخت لمجمع نيقية مثل سقراط Chapter 8، أو سوزومين Chapters 17 to 21[3]، أو يوسابيوس أي إشارة لموضوع تحديد عدد أو ماهية أسفار العهد الجديد، أو مناقشة أي شئ عنها. لكن على النقيض يمكن ان نرى شهادات موثقة في فترة ما قبل نيقية على ماهية أسفار العهد الجديد كما سنرى بعد قليل.
أمر آخر متعلق بالكتابات الغنوسية، في الواقع هذه الكتابات لم تكن باقية حتى القرن الرابع كي يتم تهميشها أو التخلص منها في مجمع نيقية، هذه الكتابات إختفت بعد ظهورها في القرنين الثاني والثالث دون أن تستخدم في أي كنائس بل رفضت وقت ظهورها في منتصف أو أواخر القرن الثاني[4].

المصادر التاريخية المتاحة لنا عن مجمع نيقية:
إن المصادر التاريخية والتي نقلت لنا التفاصيل المتعلقة  بمجمع نيقية وآريوس يمكن سردها كالتالي[5]:
-  Theodoret, Historia Ecclesia, Book I, ch.6-13
-  Socrates, Historia Ecclesia, Book I, ch.8, ch.21
-  Eusebius, Vita Constantini, Book III, ch.6ff
-  Eusebius, On the Feast of Easter/De solemnitate paschalis
-  Athanasius, De decretis synodis
-  Athanasius, Ep. ad episcopos Africae, 5.ff
-  Epiphanius, Haereses or Panarion, 69
-  Philostorgius, HE I.7, 7a
-  Rufinus, Historia Ecclesiastica 10,1-6
-  Gelasius of Cyzicus, Historia Concilii Nicaeni [6]
-  Jerome, Prologue to Judith[7]

تحديد الإحتفال بيوم الأحد من قِبَل مجمع نيقية:
تشير كتابات الآباء أنه منذ بداية الكنيسة إنطلق الإحتفال بيوم الأحد بدلاً من يوم السبت، كان ذلك قبل نيقية بقرون. في العام 110 م يكتب أغناطيوس في رسالته لأهل مغنيسيا قائلاً أن اليهود الذي أصبحوا مسيحيين لم يعودوا يحتفلوا بيوم السبت لكن بيوم الأحد كيوم الرب:
" إذا، هؤلاء الذين قد عاشوا بحسب الممارسات القديمة، وجاءوا للرجاء الجديد، لم يعودوا يحفظون السبت، لكن يعيشون وفقا ليوم الرب، الذي قامتنا فيه حياتنا من خلاله ومن خلال موته
Εἰ οὖν οἱ ἐν παλαιοῖς πράγμασιν ἀναστραφέντες εἰς καινότητα ἐλπίδος ἦλθον, μηκέτι σαββατίζοντες ἀλλὰ κατὰ κυριακὴν ζῶντες, ἐν καὶ ζωὴ ἡμῶν ἀνέτειλεν διαὐτοῦ καὶ τοῦ θανάτου αὐτοῦ"
(الرسالة لأهل مغنيسيا، فصل 9) [8].

أيضا في عام 130م أو ربما قبل ذلك بقليل وفي رسالة برنابا يشرح أن المسيحيون يحتفلون في اليوم الثامن كيوم للبدايات الجديدة وهو اليوم الذي قام فيه الرب:
"لذلك نعيد اليوم الثامن بفرح. اليوم الذي قام فيه المسيح من الأموات وصعد إلى السماء
διὸ καὶ ἄγομεν τὴν ἡμέραν τὴν ὀγδόην εἰς εὐφροσύνην, ἐν καὶ Ἰησοῦς ἀνέστη ἐκ νεκρῶν καὶ φανερωθεὶς ἀνέβη εἰς οὐρανούς."
(رسالة برنابا، الفصل 15، فقرة 9)[9]

نجد أيضاً مثل هذه الإشارات عند يوستينوس الشهيد (150م) وترتليان (200م) وغيرهم من أباء ما قبل نيقية.

تحديد أسفار العهد الجديد:
خلال القرن الأول، كانت كتابات العهد الجديد قد كتبت خلال فترة 45عام (بين 50-95م)، بل وربما أيضا نسخها ونشرها بين الكنائس الناشئة في ذلك الوقت (رج كو 16:4). من المرجح والمنطقي تم انه خلال السنوات الأولى لم يكن لدي الكل السبعة وعشرون كتابا للعهد الجديد، لكن الأدلة التاريخية تثبت أنها كانت معروفة ومعترف بها على الأقل.
أقدم قائمة لكتابات العهد الجديد نجدها في الوثيقة الموراتورية Muratorian Fragment والتي يرجه تاريخها لحوالي القرن الثاني الميلادي (حوالي 170م)، وقد سميت على إسم الراهب اليسوعي الإيطالي لودفيكو انطونيو موراتوري. الباقي من هذه القائمة خمسة وثمانون سطرا مع بداية ونهاية مفقودتين.
وهذه هي السطور التي تذكر قائمة كتابات العهد الجديد[10]:
".....(2) الكتاب الثالث هو الإنجيل بحسب لوقا...(9) رابع الأناجيل هو الذي ليوحنا [واحد] من التلاميذ... (34) علاوة على ذلك، اعمال الرسل (35) كتبت في كتاب واحد. للرفيع الشأن ثاؤفيلس كتبها لوقا... (39)...بالنسبة لرسائل (40) بولس... (42) أولها، للكورثنيون... (43) التالية هي لهل غلاطية... ثم للرومان...(47) الرسول بولس نفسه تابعا مثال سلفه (49-50) يوحنا، يكتب بالأسم لسبعة كنائس فقط بالإسم بهذا الترتيب: للكورنثيين (51) اولا، لأفسسيين ثانيا، لأهل فيلبي ثالثا (52) للكولوسيين رابعا، للغلاطيين خامسا، (53) للتسالونيكيين سادسا، للرومان (54-55) سابعا. من الصحيح انه كتب واحدة أخرى للكورنثيين والتسالونيكيين..... (59-60) [كتب بولس]... واحدة لفليمون، واحدة لتيطس، وإثنتان لتيموثاوس... (68) أيضا الرسالة ليهوذا وإثنتان تحملان إسم يوحنا مستخدمتان في [الكنيسة] الجامعة.. (71) نقبل فقط رؤيا يوحنا ورؤيا بطرس، (72) بالرغم البعض منا لا يريد قراءة الأخيرة في الكنائس ...."

هناك عدة قوائم أخرى سابقة لمجمع نيقية يمكن سردها[11]:
-        Origen (A.D. c. 185 - 254): in Eusebius, Ecclesiastical History, Vl. XXV. 3-14
-        Eusebius Of Caesarea (A.D. 265 - 340): Ecclesiastical History, III. xxv. 1-7
-        Codex Claromontanus (~ A.D. 300) [12]
هذا بالإضافة للقوانين اللاحقة لمجمع نيقية:
-        The Canon of Cyril of Jerusalem (c. A.D. 350): Catechetical Lectures, iv. 36
-        Cheltenham Canon (c. A.D. 360)[13]
-        Synod of Laodicea (c. A.D. 363): Canons 59 and 60
-        Athanasius (A.D. 367): Festal Epistle 39
-        The 'Apostolic Canons' (c. A.D. 380): Canon 85
-        Gregory of Nazianzus (A.D. 329-89): Poem I. xii. 5 ff.
-        Amphilochius of Iconium (d. 394): Iambics for Seleucus[14]
-        Third Synod Of Carthage (A.D. 397): Canon 24

تعليقات إضافية:
من الواضح من ما وصلنا عن تاريخ مجمع نيقية، ومن الشهادات الأولى للإيمان منذ القرن الأول وحتى الرابع، أن ألوهية يسوع لم تكن موضع مناقشة، بل كان هذا أمراً مفترضاً مسبقاً ومؤكداً. بل إن كل الأمور الإيمانية من تقديس الأحد، وقانونية الأناجيل، وغيرها كانت أموراً محسومة، بل أصلاً لم تكن موضعاً للجدل او الخلاف في يوم من الأيام.
إن القائمين على هذه الإدعاءات لا يقدمون وثيقة تاريخية واحدة تؤيد ما يقولونه.
ما الذي نعرفه عن قسطنطين؟
ولد قسطنطين بين عامي 273م و275م[15]، لايهم موضوعنا هنا التفاصيل الأولى لبدايات حياة قسطنطين، لكن ما يهم هو انه في في مايو 305م، تنازل كل من دقلديانوس ومكسيميانوس عن الحكم، وكان تنازل دقليديانوس طوعياً[16]. وعلى أثر ذلك تولى قسطنطينوس أغسطس الحكم خلفًا لمكسيميانوس، وبعد موت قسطنطينوس تولى مكانه ابنه قسطنطين[17].
يشير لكتانتيوس[18] (240-320م) لقيام الحرب الأهلية بين قسطنطين ومكسنتيوس في حوالي عام 311م[19]، ويضيف ان قسطنطين:
"أُرشدَ في حلم أن يرسم العلامة السمائية على دروع جنوده وعندئد يتقدم للمعركة. لقد صنع حسبما امر ورسم على دروعهم إسم المسيح مستخدمًا حرف X يتداخل مع خط مستقيم يستدير في نهايته Caeleste Signum[20] لتكون شفرة المسيح. متسلحًا بتلك العلامة على أذرع جنوده أخذ جنوده السيوف"
قصة تَعرُف قسطنطين على هذه العلامة السمائية نجدها في "حياة قسطنطين" ليوسابيوس القيصري:
" قرر [قسطنطين] انه يجب ان يعظم إله والده فقط [كان السبب هو تفكير قسطنطين في طلب معونة الآلهة في حربه]... بدأ في المحاجاة لهذا الإله، متضرعًا ومناشدًا إياه ليكشف له عن نفسه، وأن يمد إليه يمينه ليساعده في خططه. وحينما اتم تلك الصلوات والتضرعات الأمينة ظهرت للإمبراطور العلامة السمائية الأكثر روعة"[21]

بعد إنتصار قسطنطين مباشرة، أصدر قسطنطين مرسومه للتسامح من روما والذي امر فيه بوقف الإضطهاد، ففي مارس 313م التقي قسطنطين مع ليكينيوس إمبراطور الشرق في ميلان ومن هناك أصدرا مرسوم للتسامح مع المسيحيين يعرف بأسم مرسوم ميلان The Edict of Milan ، نحن لدينا نصين لهذا المرسوم الأول نجده في تاريخ الكنيسة ليوسابيوس (تاريخ الكنيسة 10\5)[22]، والثاني في موت المضطهدين للكتانتيوس (الفصل 48)، ننقل هنا نص لكتانتيوس حيث يعتبر النص الأكثر دقة وإكتمالاً:
"عندما إلتقينا نحن، قسطنطين أوغسطس وليسينيوس أوغسطس، في ميلان، وتناقشنا معًا واضعين في الإعتبار خير وأمن الصالح العام، ظهر لنا أنه من بين تلك الأشياء المفيدة للإنسانية بصفة عامة، هو أن إحترام الألوهية قد إستحق أن نوجه إليه إهتمامنا الرئيسي والأول، وأنه كان من المحتمل أن المسيحيين وكل الآخرين يجب أن تكون لهم الحرية في إتباع طريقة الدين الذي يبدو لكل واحد أنه هو الأحسن له، لكي يكون الله، الذي يجلس في السماء، كريمًا وصفوحًا عنا، وعن كل أحد تحت رعاية حكومتنا[23].
وعليه فقد حكمنا بقصد سليم، ان كل واحد منسجم مع السبب الصحيح (لإعتقاده)، أنه لا ينبغي لأي واحد أن يُحرم من الإنضمام إلي جماعة المسيحيين، او إلي أي دين آخر أشار عليه عقله أن يتبعه، لذلك فإن الألوهية السامية، التي يليق بها العبادة، نكرس أنفسنا كلية، لكي يستمر تعطفه ومعروفه وإحسانه علينا. وعلى ذلك فنحن نعلمكم انه، بدون اعتبار لأي شروط في أوامرنا السابقة لكم تختص بالمسيحيين، فكل الذين إختاروا هذا الدين يُسمح لهم بحرية مطلقة، أن يستمروا في دينهم، وأن لايتم إزعاجهم بأي طريقة، أو أن يُتحرّش بهم. وقد رأينا أنه من الملائم بصفة خاصة أن نوكل هذه الأشياء إلي عنياتكم، وانكم تفهمون أن هذا التساهل الذي منحناه أن الممارسة الدينية المسيحية تكون بحرية تامة وبدون قيد، وأن تلاحظوا في نفس الوقت أن حرية الممارسة الخاصة، ممنوحة للآخرين، كما للمسيحيين أيضًا. لأن هذا يلائم الهدوء الشامل التام في أيامنا الذي ينعم به كل فرد، طبقًا لإختياره، وأن يعبد الألوهية، ولا نعني أن ننتقص من كرامة اي دين أو عابديه، وبالأخص بالنسبة للمسيحيين. لقد أعطينا سابقًا اومرا ميعنة تختص بالأماكن الخاصة بإجتماعاتهم الدينية، ولكن الآن فإن كل الأشخاص الذين اشتروا مثل هذه الأماكن، سواء من خزانتنا أو من أي شخص آخر، يجب أن يعيدوها للمسيحيين، بدون طلب مال أو بحث عن مال، ويجب القيام بذلك على نحو نهائي وبدون لبس، وبالنسبة أيضًا، للذين حصلوا على أي حق في تلك الأماكن على هيئة هبة عليهم أيضًا أن يعيدوها للمسيحيين، ويُحتفظ لمثل هؤلاء الأشخاص الذين امتلكوا بالثمن أو مجانًا عليهم أن يقدموا طلبات إلي قاضي المقاطعة، إذا رأوا أنفسهم يستحقون لأي مكافأة من منافعنا.

كل هذه الأماكن، بواسطة عنايتكم، تُرجع فورًا إلي المسيحيين. لأنها تبدو، متعلقة بالعبادة الدينية، يمتلك المسيحيون أماكن اخرى، التي لا تتعلّلق بالأشخاص، لكن لجماعتهم بصفة عامة، أي إلى كنائسهم، وإننا ندرك كل هذا خلال تنظيم سابق، وانكم سوف تقومون برد كل تلك الأشياء إلى الجماعة او الكنائس وذلك بدون تردد او جدال، ويتبع ذلك دائمًا أن الأشخاص الذين يعيدون السكن بدون دفع إيجار سوف يكونون لهم الحرية في طلب تعويض من سخائنا.
وفي كل هذه الأمور، ومراعاة لمصلحة جماعة المسيحيين السابق ذكرهم، ابذلوا أقصى جهدكم لإتمام أوامرنا بسرعة، ولكي يتوفر الهدوء والسلام في هذا أيضًا.

لأنه بهذه الطريقة كما قدمنا، تستمر رحمة الله معنا دوامًا، الأمر الذي إختبرناه في كثير من الأمور.
ولكي يعرف الجميع تفاصيل أوامرنا الرحيمة هذه أرجو ان تنشروا مكتوبنا هذا في كل مكان وتعلنوه للجميع، حتى لا تبقى أوامرنا الرحيمة هذه مجهولة عن أي شخص"[24]

كيف يمكن ان ننظر لهذا المرسوم؟ لايدل المرسوم مطلقًا ان قسطنطين قد جعل من المسيحية ديانة رسمية للدولة، ولا تدل على انه صار محررًا للمسيحية، لكنه كان يحاول وضع نظام سياسي قائم على الإستقرار والتسامح. المرسوم أيضًا لا يحمل أي دلائل أن قسطنطين كان قد إعتنق المسيحية وقتها.
من الواضح ان المرسوم يكشف عن تعاطف متساوي من جانب قسطنطين للديانتين المسيحية والرومانية، ولا نجد أي إشارات تاريخية أن قسطنطين قد ضيق على العبادات الوثنية أو أغلق معابدها.
أحد الأشياء الأخرى التي ربما تعطينا إشارات لحرص قسطنطين على تحقيق المساواة بين جميع الأديان في وقته هو انه قرر عدم إقامة مبان مسيحية في وسط مدينة روما، لأنه كان حريصًا ألا يغضب الأغلبية الوثنية هناك[25].

متى أصبحت المسيحية ديانة رسمية للإمبراطورية إذن؟
خلف قسطنطين، الإمبراطور ثيودوسيوس الكبير (347-395م)، وهو الذي جعل المسيحية هي الدين الرسمي للدولة الرومانية في مرسوم أصدره يحمل إسم مرسوم تسالونيكي Edict of Thessolonica، ونصه:
"الأباطرة العظام جراتيان، فالنتنيان، وثيوديسيوس. مرسوم لأهل القسطنطينية.
إنها رغبتنا أن الأمم المختلفة التي تخضع لرحمتنا وإعتدالنا، ينبغي أن يستمروا في إعتناق الدين الذي تم تلسميه للرومان بواسطة الرسول الإلهي بطرس، لأنه حُفظ لنا بواسطتة تقلدينا الأمين، والذي معلن الآن من قبل البابا داماسوس وبطرس أسقف الأسكندرية، وهو رجل ذو قداسة رسولية. ووفقًا للتعليم الرسولي، وعقيدة الإنجيل، لنؤمن بإله واحد الآب، الإبن، والروح القدس، على قدم المساواة والجلال في الثالوث المقدس. نحن نفوض أتباع هذا القانون لحمل لقب المسيحيين الكاثوليك، لكن بالنسبة للآخرين، وبحسب حكمنا هم مجانيين حمقى، نحن نأمر أنه يجب ان يوصفوا بالإسم المخزي للهراطقة. ويجب ألا يطلقوا اسم كنيسة على أماكن تجمعهم. سيعانون في المقاام الأول عذاب الإدانة الإلهية، وفي المقام الثاني سياعوني عقاب سلطتنا والتي سنقرر إلحاقها وفقًا لإرادة السماء.
كُتب في تسالونيكي في اليوم الثالث من شهر مارس، خلال القنصلية الخامس لجراتيان اغسطس، والأول لثيودسيوس اغسطس"[26].


[1] Philip Schaff, History of the Christian Church, Vol. III: Nicene and Post-Nicene Christianity: AD 311-600, Grand Rapids, MI, CCEL 2002, p. 205
[2] Eusebius, Life of Constantine, Introduction, translation, and commentary by Averil Cameron And Stuart G. Hall, Clarendon Press, Oxford 1999
[3] NPNF2-02: Socrates and Sozomenus Ecclesiastical Histories, edited and translated by Philip Schaff, CCEL (www.ccel.org)
[4] Wouter J. Hanegtaaff, editor, Dictionary of Gnosis and Western Esotericism, Brill 2006, pp. 414-415
[5] Roger Pearse, The Council of Nicaea and the Bible, http://www.tertullian.org/rpearse/nicaea.html
[6] هذا النص غير متاح بالإنجليزية حتى الان، لكن يمكن الرجوع إليه في
J.P.Migne, Patrologia Graeco-Latina, vol. 85, cols. 1185-1360
[7] هذا النص يمكن الوصول إليه في ترجمته الوحيدة بالإنجليزية في
http://www.bombaxo.com/prologues.html
[8] The Apostolic Fathers: Greek Texts and English Translations, 3rd Edition, Edited and Translated by Michael W. Holmes, Barker Academics, Grand Rapids: MI 2007
[9] The Apostolic Fathers: Greek Texts and English Translations, 3rd Edition, Edited and Translated by Michael W. Holmes, Barker Academics, Grand Rapids: MI 2007
[10] The following translation usually follows the amended text edited by Hans Lietzmann, Das Muratorische Fragment und die Monarchianischen Prologue zu den Evangelien (Kleine Texte, i; Bonn, 1902; 2nd ed., Berlin, 1933)
[11] B. M. Metzger, The Canon Of The New Testament: Its Origin, Significance & Development, Clarendon Press, Oxford 1997, pp. 209-210
[12] النص موجود في http://www.bible-researcher.com/claromontanus.html
[13] النص موجود في http://www.bible-researcher.com/cheltenham.html
[14] يمكن الوصول للنص الإنجليزي في   http://www.ntcanon.org/Amphilochius.canon.shtml
[15] A.L. Rowse, Constantine and Conversion of Europe, Hodder & Stoughton Lmtd, London 1948
[16] Philip F. Esler, The Early Christian World, Vols. I&II in one Volume, Routledge, London 2002, p. 1070
[17] لتفاصيل أكثر عن كيفية تولى قسطنطين الحكم والفترة السابقة عليه يمكن الرجوع إلي:
Eusebius, Life of Constantine; Lactantius On the Deaths of the Persecutors
الكتاب الثاني تم نشره بالعربية: لكتانتيوس، موت المضطهدين، ترجمة د.م.، مطرانية بني مزار والبهنسا 2006
النصوص الإنجليزية
Eusebius, Life of Constantine, Introduction, translation, and commentary by Averil Cameron And Stuart G. Hall, Clarendon Press, Oxford 1999; ANF-07, Lactantius On the Deaths of the Persecutors
النص اليوناني لحياة قسطنطين:
http://khazarzar.skeptik.net/books/eusebius/vc/gr/
[18] كان مستشارًا للإمبراطور قسطنطين، ومرشدًا له في السياسات الدينية التي وضعها
[19] لكتانتيوس، موت المضطهدين، الفصل 44
[20] "يظهر من خلال كتابات لكتانيوس، واضحا ان كلمتي Caeleste Signum "علامة سماوية"  تُشيران إلى "علامة الصليب"، هامش 171 في لكتانتيوس، موت المضطهدين، ترجمة د.م.، مطرانية بني مزار والبهنسا 2006،ص 107، لإستخدام لكتانيوس لهذه الكلمات كإشارة لعلامة الصليب راجع: موت المضطهدين الفصل العاشر و Divine Institutes 2/26,27 ، النص الثاني يمكن الوصول اليه في نسخة إنجليزية في
Lactantius, Divine Institutes, translation, introduction and notes by Anthony Bowen and Peter Garnsey, Liverpool University Press 2003
[21] Eusebius, Life of Constantine 1/27-32
[22] يوسابيوس القيصري، تاريخ الكنيسة، ترجمة القمص مرقس داود، مكتبة المحبة 1979
[23] لا توضح هذه العبارة من هو الأهل المقصود، ربما تكشف هذه العبارة عن حالة اللاأدرية التي كان يمر بها قسطنطين في ذلك الوقت، هامش رقم 197، لكتانتيوس، موت المضطهدين، ص117
[24] لكتانتيوس، موت المضطهدين، الفصل 48، النص اللاتيني يمكن الوصول إليه في
http://web.upmf-grenoble.fr/Haiti/Cours/Ak/Constitutiones/ed_tolerat1.htm
[25] John Curran, Pagan City and Christian Capital Rome in the Fourth Century, Clarendon Press, Oxford 2000, p. 71
[26] Codex Theodosianus, xvi.1.2, English text: http://www.fordham.edu/halsall/source/codex-theod1.html; Latin Text: http://ancientrome.ru/ius/library/codex/theod/tituli.htm#XVI

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لحن آجيوس إستين (أوو كيريوس ميتاسو)

  ملحوظة لقراءة الكتابة القبطية يجب تحميل هذا ال Font (إضغط هنا) يُرجح أن الألحان الكنسية نشأت مع الكنيسة نشاة الكنيسة نفسها، وتنوعت الألحان بحسب التراث الثقافي والحضاري الذي نشأت فيه كل كنيسة محلية. وتعتبر الأحان الكنسية هي جزء لا يتجزأ من العبادة، فهي كما يشير القديس باسيليوس: إن الترنيم هو هدوء النفس ومسرة الروح، يسكن الأمواج ويسكت عواصف حركات قلوبنا.

الطقس القبطي وتطور القداسات الثلاثة

[محاضرة ضمن مادة الكنيسة القبطية التي أدرسها بكلية اللاهوت الأسقفية] الطقس الديني هو مجموعة أفعال وتصرفات رمزية يستخدم فيها الإنسان جسده (عن طريق حركات معينة أو إرتداء زي معين أو ترديد كلمات معينة) لكي يُجسد أفكاره ومفاهيمه الدينية، ويُعبر عن علاقته بالقوى الفائقة التي يعبدها، مع الوقت يصير الطقس نمطًا سلوكيًا وجزءًا اصليلآ من العبادة الدينية، فمن خلال الطقس الديني يعيد الإنسان إحياء وتعيين تجربة مقدسة هي تجربة/خبرة تفاعله/تلاقيه مع الله من هنا فالطقس الديني يحتوى على أمرين: الرمزية والسلوك الإجتماعي.  والطقس الديني الجماعي (مثل ليتورجيا القداس في الكنيسة القبطية) يعزز من الإحساس بالشركة والوحدة داخل الجماعة، فالأفراد يقومون بعمل واحد معًا، وبالتالي فهو يعبر بصورة حية عن مفهوم الكنيسة ووحدتها. والطقس الديني في أساسه ليس غاية لذاته بل وسيلة للتعبير عن الغاية: العلاقة مع الله/ الإيمان؛ وينفصل الطقس عن تلك الغاية، حينما تتحول الممارسة الدينية إلى غاية في ذاتها.

هل كان المسيحيون الأوائل أكثر إيمانًا وقداسة منا اليوم؟

  عزيزي، أنت تؤمن أن مسيحيو الماضي قد وُهبُوا إيمانًا وقداسة فائقين، فقد عَبَرْوا من بوتقةِ الاضطهاد العنيف والالام التي تتجاوز عتبة التحمل لمن هم في العصر الحديث. كما أنك تؤمن أن القديسين والشهداء الأوائل، ونُساك الصحراء هم نموذج لا يُمكن لنا نحن المؤمنين المعاصرين تحقيقه. ها أنت تأبى أن تترك حنين الماضي، أو أن تُقْدِمُ على الفحصِ المتأني للمشهد الإيماني المعاصر، حتى تكتشف ذلك النسيج المعقد للحاضر، الذي يتحدى هذه المقارنات السهلة.