التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عن الإنجيل المسمى إنجيل "زوجة يسوع": بعض الأفكار المبدئية

By Hugo Lundhaug and Alin Suciu[1]
ترجمة: مينا فؤاد توفيق

قبل كل شئ، ينبغي أن يُنص بوضوح على انه بالرغم من أن الأسطر التالية تعبر عن شكوكنا تجاه صحة ما يسمى بإنجيل "زوجة يسوع"، يبقى اقتراحنا هذا مجرد فرضية حتى يتم عمل إختبارات ملائمة على حبر الوثيقة. ثانيًا أن تحليلنا لا يشير لا الي يسوع التاريخي او عما اذا كان متزوجًا من عدمه، وهو أمر خارج مجال تخصصنا، لكن فقط تحليلنا هو لتلك القصاصة الأدبية المكتوبة بالقبطية والمشكوك في هويتها.
خلال المؤتمر الدولي العاشر للدراسات القبطية، والذي عُقد روما في الفترة من 17-22 سبتمبر 2012، قدمت الأستاذة Karen L. King في جامعة هارفارد قصاصة بردي بالقبطية لم تكن معروفة من قبل.


قدمت كارن ورقتها البحثية يوم الثلاثاء 18 سبتمبر (حوالي الساعة السابعة مساءًا) في أحد غرف المعهد الأبائي الأغسطيني Patristic Institute ‘Augustinianum.’ ونُرجح أن حوال عشرون من الزملاء أستمعوا إليها.

النص يبدو كحوار بين يسوع وتلاميذه، والسمة الأبرز له هي حقيقة ان يسوع يَذكر زوجته. في بيانها، سبق أن ذكرت كارن كينج أن هناك بعض الشكوك بشأن صحة (أصالة) تلك القصاصة. وفي ورقة بحثية قدمتها للنشر في الدورية اللاهوتية الخاصة بهارفارد Harvard Theological Review، والتي تكرمت بجعلها متاحة على موقع كلية هارفارد اللاهوتية كتبت:
"برغم أن صحة [هذه القصاصة] لم يتم الإستقرار عليه تمامًا بما لايدع مجال للشك، نحن واثقون بما يكفي لكي نقدم نتائجنا هنا. ونحن نتوقع أن نشر هذه القصاصة في هذه المرحلة سيسهل الحوار بين العلماء بشأن صحة القصاصة، وترجمتها وأهميتها" (كينج، ص5)

لن نلخص هنا تتابع الأحداث كلها، فالأمر معروف بما فيه الكفاية. ويمكن الوصول لتحديثات الموضوع هنا وهنا وهنا.  يكفي القول ان الشكوك بشأن هذه الوثيقة تم إثارته من قِبَل عديد من العلماء من البداية. في حين نفى البعض صحة هذه القصاصة تمامًا بناء على أسس باليوغرافية [علم الكتابات القديمة]، آخرون أشاروا إلى تناقضات في النص.

1. الباليوغرافيا وتأريخ القصاصة:
في الورقة التي قدمتها، ذكرت كارن كينج أنها سألت Roger Bagnall (جامعة نيويورك) بشأن فحص باليوغرافي للبردية. وبعد بعض الشكوك الأولية، إقترح باجنال ان القصاصة في النهاية ربما تكون أصلية، كتبت كينج:
"باجنال أيضًا، حينما لاحظ الكتابة للوهلة الأولى حكم عليه أنه [لشخص] غير مدرب، فوضوي، ربما من قبل مزور حديث، لكن بعض ملاحظة وتفكير أكثر خَلُصَ أن المشكلة كانت القلم [المستخدم] من قبل الكاتب القديم" (كينج، ص7)

هل هي بردية من القرن الرابع؟ كيف نقوم بتحديد تاريخ المخطوطات الأدبية القبطية؟
لاحظ ان علم الباليوجرافيا القبطية لازال بدائيًا، أرخت كارين كينج البردية مبدئيًا إلى النصف الثاني من القرن الرابع. في الواقع، في ظل معارفنا الراهنة، فإنه من المستحيل أساسا أن نؤرخ لمعظم المخطوطات القبطية الأدبية الباقية حتى الآن.
من اجل تحديد عمر مخطوطة ما فيمكن ذلك:
1) إما عن طريق بيانات النسخ (وهو أمر نادر)
2) أو عن طريق الإستنتاج من السياق الأثري (الأركيولوجي) (أي إستخدام وثائق مؤرخة، عملات، قطع فخار تم إكتشافها مع المخطوطة)
3) أو بالمقارنة مع مخطوطات أخرى تم تحديد عمرها من خلال أحد الطريقتين السابقتين. بعض العلمء يعتقدون أن المقارنة مع المخطوطات اليونانية المماثلة ربما يكون مفيدًا، لكن هذه الطريقة غير موضوعية بالمرة وغير مقبولة عالميًا.

أقدم مخطوطة قبطية مؤرخة هي Pierpont Morgan codex M579 والتي نُسخت عام 823م (أي في النصف الأول من القرن التاسع). أقدم من ذلك لا يوجد غير قليل من الحالات التي يتم تأريخها بدرجة معينة من الثقة. إستثناء واحد هو مخطوطة نجع حمادي رقم codex VII والتي بين دفتيها تم إكتشاف ثلاث برديات مؤرخة لأعوام 341، 346، 348م على التوالي.

بالتالي، هذه السنوات تشكل المحطة الأخيرة لتجميع مخطوطة نجع حمادي codex VII أو على الأقل تجليدها [التجليد يقصد به ربط صفحات البردي مع بعضها برباط ما لتشكل الكتاب]. بالمثل، من تجليد Berolinensis Gnosticus 8502 (= BG 8502) والتي تحوي نسخة قبطية من إنجيل مريم، تم إستخلاص قصاصات بردية والتي أرخها بعض العلماء لأواخر القرن الثالث او بداية القرن الرابع الميلادي. ومع ذلك، يبدو ان التجليد تم قطعة لصورة أصغر وإعادة إستخدامه في المخطوطة في فترة لاحقة، وهي الان في برلين.  وفيما يتعلق بخط BG 8502 تم تأريخه مبدئيًا لبدايات القرن الخامس لكن، مرة أخرى بدون أدلة واضحة.

أخيرًا، وجد James Goehrin تشابهات بين غطاء الجرة التي أكتشفت فيها مخطوطات نجع حمادي (الآن ضمن مجموعة Schøyen) وبين وعاء مماثل ينتمي للفترة الرومانية المبكرة تم إكتشافه في البازليكا الباخومية Pachomian basilica في Pboou (الفاو قبلي بدشنا حاليًا). من وجهة النظر الطوبوغرافية [أي دراسة تضاريس وسطح الأرض] فهذه الأوعية يمكن تعود للقرن الرابع او الخامس الميلادي. وإذا كان الأمر كذلك، فهذا يقدم لنا محطة اليوم الأخير لدفن مكتبة نجع حمادي.

لسوء الحظ هذه [المخطوطات] هي ضمن عدد قليل جدًا من الدلائل التي نمتلكها لتأريخ المخطوطات القبطية على أسس أكثر أو أقل ثباتًا. الأمثلة المذكورة أعلاه توضح لنا كم هو قليل الذي نعرفه عن عمر المخطوطات الأدبية القبطية التي نمتلكها.
علاوة على ذلك، ولإبرام هذه المسألة، فإنه من المستحيل أساسًا تأريخ هذه القصاصة الجديدة على أسس باليوغرافية ليس لأن المخطوطات القبطية يَصعبُ تأريخها لكن لأنها لا تشبه أي من المخطوطات القبطية التي سبق تأريخها مع درجة معينة من الثقة.

هل خط الكتابة handwriting قديم؟
هناك شئ ملفت في الخط المكتوبة به البردية لأي شخص مطلع على المخطوطات القبطية القديمة. أولاً، مظهر الوثيقة يبدو غير ملائم. هذا يرجع في الأساس إلى حقيقة ان الخصائص الطبيعية للكتابة (ductus) الخاصة بكاتب من القدماء غير موجودة في الوثيقة. الحروف خشنة، بعضها شكله غير معتاد، ولا يبدو انها تأتي من قلم لشخص إعتاد ان يكتب بالقبطية. ثانيًا، الناسخ كان غير متناسق جدًا في الكتابة.
يلاحظ أيضًا الأشكال المختلفة للحروف الشاي، الأوميجا، والابيسلون. وسبق في نقاش خاص أثناء المؤتمر ان تم أقتراح (بواسطة Christian Askeland, Victor Ghica, Alin Suciu وآخرون) ان الوثيقة تم كتابتها بفرشاة بدلآ من قلم النساخة (calamus). هناك على الأقل مثال مثير للإهتمام يؤيد هذه الفرضية: في السطر السادس حيث الإبسيلون تبدو علامات الفرشاة مرئية.
الحرف الذي تم تكبيره يُرجح أنه ابسيلون

تكشف القصاصة على الأقل عن سمة مثيرة للإهتمام وغير معروفة بين المخطوطات القبطية الأصيلة.  في السطر الرابع قبل عبارة "اخبرهم يسوع"، هناك شرطة مائلة.


بالرغم ان وظيفة هذه العلامة [الشرطة المائلة] غير واضح، لكن يبدو أنها تشير إلى بداية عبارة جديدة. وجودها يبدو أكثر غرابة بالنظر إلى أن الوثيقة تقتقر تمامًا لكل علامات الترقيم الأخرى [مثل الفواصل وغيرها].

إستنتاجنا المؤقت بعض الفحص الأولي أن البردية نفسها ربما تكون قديمة لكن الخط المكتوب يحتمل ألا يكون كذلك.

2. محتوى النص:
إنجيل زوجة يسوع وإنجيل توما
خلال محادثاتنا الخاصة في روما، بدا واضحًا أن اي نقاش مستقبلي عن هذه البردية الجديدة سيرتبط إرتباطًا وثيقًا بإنجيل توما. كان من جامعة دورهام سريعًا في الإشارة إلي التشابهات بين إنجيل توما والسطور 1-5 و8 في إنجيل زوجة يسوع. كان أول من أشار للتوازي بين إنجيل توما والسطر السابع في الوثيقة هي Päivi Vähäkangas (في محادثة خاصة على الفيس بوك)، ومؤخرًا من قِبَل Mark Goodacre.
وهذه نظرة عامة على التشابهات بين إنجيل توما وإنجيل زوجة يسوع:
 
مما سبق، يمكن الرؤية عن كثب كيف أن إنجيل زوجة يسوع يستند على إنجيل توما. وعلاوة على ذلك، كما قيل من قِبَل Francis Watson أنه من الصعب أن نرى كيف يمكن ان نربط السطور المدونة في الوثيقة ببعضها كي تشكل نص متصل ومرتبط ببعضه بإستخدام أحرف قليلة فقط -كما هو في الأجزاء المفقودة في كل سطر من النص- إذا كان النص بالفعل مقتطع من وثيقة أدبية أكبر.

يضاف إلى ذلك الدرجة التي يعطينا فيها كل سطر من القصاصة إحساس واضح بالوحدة، وكل السطور تقريبًا تحمل رسالة هامة كل على وحدة او معًا، وهو أمر لافت للنظر. ويمكن أن نستخلص الإستنتاجات التالية من كل سطر من القصاصة:
1. يسوع أخذ الحياة من امه
2. يسوع في حوار مع تلاميذه
3. التلاميذ تجادل أن مريم غير مستحقة، أو يسوع يجادل أن مريم مستحقة
4. يسوع متزوج ولديه زوجة
5. يسوع يقر أن [مريم] يمكن أن تصبح تلميذًا
6. هناك اشخاص اشرار يعارضون يسوع
7. يسوع يعيش مع زوجته ويخبر تلاميذه أنه يفعل ذلك

إن إحتمالية العثور على نص بهذا الشكل على قصاصة بهذا الصغر يصبح تساؤلاً هامًا ورئيسيًا. في الواقع نحن نرحب أي شخص يحاول ان يقتطع جزء صغير من مخطوط أدبي من الزمن القديم ليُخرِجَ لنا نصًا مثل هذا النص سهلاً في الفهم والتفسير، وهذه سمة أخرى في القصاصة تقدم إحتمالاً اننا نتعامل مع عمل مزور.

في الختام، كل من المظهر الخارجي للقصاصة، وتحديدًا سماتها الباليوغرافية، كذلك النص نفسه يعطينا أسبابًا بالغة الجدية للشك بشأن أصالتها.

إنتهي المقال

أخبار جديدة:
أشار Craig Evans أن دورية هارفارد اللاهوتية قد رفضت نشر ورقة كارن كينج البحثية بعد أن بدا واضحًا أن العالم الأكاديمي متشكك بشكل كبير بشان صحتها، وأشار أن المصدر فيما يبدو هو عالم هارفارد الكبير Helmut Koester.
 
هذا أيضًا رابط لفيديو لـ Christian Askeland من كامبريدج يوضح فيه لماذا يعتقد ان هذه القصاصة هي مزيفة:

  
ترجمة البردية




[1] تم نشر وترجمة هذا المقال بموافقة الصديق Alin Suciu، والنسخة الإنجليزية منشورة على موقعه
http://alinsuciu.com/2012/09/26/on-the-so-called-gospel-of-jesuss-wife-some-preliminary-thoughts-by-hugo-lundhaug-and-alin-suciu/

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لحن آجيوس إستين (أوو كيريوس ميتاسو)

  ملحوظة لقراءة الكتابة القبطية يجب تحميل هذا ال Font (إضغط هنا) يُرجح أن الألحان الكنسية نشأت مع الكنيسة نشاة الكنيسة نفسها، وتنوعت الألحان بحسب التراث الثقافي والحضاري الذي نشأت فيه كل كنيسة محلية. وتعتبر الأحان الكنسية هي جزء لا يتجزأ من العبادة، فهي كما يشير القديس باسيليوس: إن الترنيم هو هدوء النفس ومسرة الروح، يسكن الأمواج ويسكت عواصف حركات قلوبنا.

الطقس القبطي وتطور القداسات الثلاثة

[محاضرة ضمن مادة الكنيسة القبطية التي أدرسها بكلية اللاهوت الأسقفية] الطقس الديني هو مجموعة أفعال وتصرفات رمزية يستخدم فيها الإنسان جسده (عن طريق حركات معينة أو إرتداء زي معين أو ترديد كلمات معينة) لكي يُجسد أفكاره ومفاهيمه الدينية، ويُعبر عن علاقته بالقوى الفائقة التي يعبدها، مع الوقت يصير الطقس نمطًا سلوكيًا وجزءًا اصليلآ من العبادة الدينية، فمن خلال الطقس الديني يعيد الإنسان إحياء وتعيين تجربة مقدسة هي تجربة/خبرة تفاعله/تلاقيه مع الله من هنا فالطقس الديني يحتوى على أمرين: الرمزية والسلوك الإجتماعي.  والطقس الديني الجماعي (مثل ليتورجيا القداس في الكنيسة القبطية) يعزز من الإحساس بالشركة والوحدة داخل الجماعة، فالأفراد يقومون بعمل واحد معًا، وبالتالي فهو يعبر بصورة حية عن مفهوم الكنيسة ووحدتها. والطقس الديني في أساسه ليس غاية لذاته بل وسيلة للتعبير عن الغاية: العلاقة مع الله/ الإيمان؛ وينفصل الطقس عن تلك الغاية، حينما تتحول الممارسة الدينية إلى غاية في ذاتها.

هل كان المسيحيون الأوائل أكثر إيمانًا وقداسة منا اليوم؟

  عزيزي، أنت تؤمن أن مسيحيو الماضي قد وُهبُوا إيمانًا وقداسة فائقين، فقد عَبَرْوا من بوتقةِ الاضطهاد العنيف والالام التي تتجاوز عتبة التحمل لمن هم في العصر الحديث. كما أنك تؤمن أن القديسين والشهداء الأوائل، ونُساك الصحراء هم نموذج لا يُمكن لنا نحن المؤمنين المعاصرين تحقيقه. ها أنت تأبى أن تترك حنين الماضي، أو أن تُقْدِمُ على الفحصِ المتأني للمشهد الإيماني المعاصر، حتى تكتشف ذلك النسيج المعقد للحاضر، الذي يتحدى هذه المقارنات السهلة.