هل كان ارتداء ذلك الرداء اﻷسود حلما يرنو اليه؟
ربما
لكن ها هو اﻵن،
مرت سنوات وسنوات منذ ان التحف بهالة القداسة تلك...
لم يكن يتخيل قط كيف ان مجرد جلباب ولحية يمكنهما
خلق ذلك التأثير الهائل في نفوس اﻻخرين:
باﻻمس كان يمكنهم معارضته، اهانته او حتى ازدارئه...
باﻻمس كان محدود العلم والمعرفة،
اما اﻵن فهو ممثل الإله على اﻻرض، ربما هو الإله
ذاته، لم يعد يعرف... اﻻن ﻻ يمكن ﻻحد ان يعارضه او يزدريه... اﻻن اصبح عليما
ببواطن اﻻمور واصبح عارفًا ضمن قلة من المختارين...
فنائب الإله يعرف كل شئ، يمكنه ان يمنع ويحرم ويقصي
من يشاء: ﻻ يمكن ﻻحد ان يعارض إرادته السماوية واﻻ كان مصيره البؤس والشقاء وربما
حتى الجحيم.
دارت كل تلك اﻻفكار برأسه وهو ينظر الي جموع
الناس المحتشدة امامه، تنتظره ان يتكلم ويعظ ويُعلّم، تنتظر ان يرشدهم الي اﻻنفكاك
والخلاص... الي طريق السعادة اﻻبدية... ابتسم وهو ينظر الى
رعاياه... كم هم مساكين وبؤساء وهو اﻻن سيمنحهم كلماته اﻻلهية.
تحدث عن العطاء، عن البذل، عن الموت عن العالم...
جاهد كي يرسخ فكرة ان السعادة لن تكون اﻻ بالعطاء، فقيرًا كنت ام غنيًا: خلاصك هو
في اﻻخلاص للجماعة وفي العطاء: "في العطاء خيركم وخلاصكم، انتم تتبرعون الي
اﻻله": هكذا صاغها.
انتهى من خطبته...
راقب الناس وهم ينصرفون لكن سعادته الحقيقية كانت في النظر الي تلك اﻻوراق النقدية
وهي تخرج من جيوبهم: لقد أتم مهمته المقدسة.
باركهم وانصرف، كان مؤمنًا بحق انه يقدم خدمة
جليلة للإله، فهو المؤتمن والقيم والوكيل عنه، ومهما تكلف اﻻمر فبالتاكيد الإله
سيتفهم.
لم يكن يعرف حقا شئ عن الرعية... عن أحوالهم...
عن سعادتهم أو حتى شقائهم؛ كانت مسرته فقط في سماع اخطائهم وجرائمهم، لم تكمن
سعادته يومًا في ذلك الجزء اﻻخير حينما ينصرفون من امامه بعد أن يمنحهم البركة،
كان يرغب في ان يستمروا في سرد تلك اﻻمور، فكلما عرف اكثر كلما نجح اكثر في
تطويعهم وقيادتهم وتسخيرهم لرغباته.
سقط...
لم يبكه أحد، فقد انكشفت حقيقته. كان مقدر لذلك
ان يحدث يوما، انفض من حوله الجميع.
ويقال انه ظل حتى
موته يصرخ منتحبًا الي ذلك الإله الذي قال يومًا انه نصبه وكيلاً عنه، ويقال ايضًا
انه لم يتلق يومًا اجابة.
رائعة من كاتبها يا مينا
ردحذف