التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عيد الميلاد... الذي فقد معناه

عيد الميلاد... الذي فقد معناه
تدوينة عامية
" ليلة الكريسماس ...
كل الناس واقفة بتوعد : " يارب ... السنة دى فعلاً هنبتدى من جديد " ...
أبصلهم ... وأقف ساكت ...
أصلّى مبحبش أوعد وأخلف !!"  
عجبي
                                                 

كل ما بنكبر، العيد بالنسبة لينا بيفقد معناه... فرحة العيد مبتبقاش هي هي فرحة زمان، مع ان العيد هو العيد وإحنا هو إحنا. وعلشان النوستالجيا... الحنين لفرحة زمان بنحاول نكرر اللي كنا بنعمله كل عيد وبيفرحنا زمان: اللبس الجديد... التجمع... الأكل... الخروج سوا. بنفرح ظاهريًا وننبسط صحيح لكن ابدًا مبتبقاش هي فرحة زمان زي وإحنا صغيريين.
في الغالب ده بيسببلنا إحباط، واحيانًا بيبقى أهه يوم ويعدي، وفي مرات بيبقى العيد تقيل علينا وبنبقى عايليين هم فرحة عاوزينها لكن عارفين انها مش هتيجي.

والسؤال: هو المفترض ان ده يحصل؟! والإجابة انه طبيعي جدًا انه يحصل. فاكر لما كنت صغير وحد يجبلك عربية او عروسة تلعب بيها، كنت بتبقى طاير من الفرحة، لكن لو حد جبلك نفس الهدية دلوقتي يمكن تفتكره اتجنن والهدية مش هيكون ليها اي تأثير عليك. إحتفالاتنا بالأعياد كده، بتقى مرتبطة بحاجات حوالينا، مش بالحدث اللي حصل في زمن ما والمفترض اننا بنسترجعه في العيد. حتى أعياد ميلادنا إحنا، في الغالب محدش في عيد ميلاده بيحتفل أنه موجود او بيكون في دماغه انه ده اللحظة اللي جه فيها من العدم للوجود وبقى عنده وعي ذاتي، لكن اللي بيحصل انه بيحتفل حقيقة بالناس اللي بتبعتله رسايل "كل سنة وانت طيب" وعيلته اللي ممكن تعمله تورتة وشمع وتجبله هدايا، وأصحابه اللي بيفرحوه، ويمكن لو محلصش اي حاجة من دي، يوم عيد ميلادك مش هيكون ليه معنى نهائي ولا حتحس بيه.

وهي دي الإجابة، علشان الأحتفال بالعيد مرتبط بالحاجات اللي حوالينا، ونمط الأحتفال بالأعياد ثابت لبس وهدايا وخروج ويمكن turkey و wine، فكل سنة بتكرر نفس الأمور ومع نموك وتقدمك في السن مبتبقاش الحاجات اللي بتستمد من فرحك وبهجتك دلوقتي هي نفس الحاجات اللي كانت وانت صغير. زي العربية والعروسة، يعني وانت اصغر شوية كنت بتطير من الفرحة باللبس الجديد لكن دلوقت الوضع اختلف ومبقاش اللبس فارق، كنت بتنبسط قوي بالهدية اللي بتاخدها في مدارس الأحد لكن دلوقتي بتحسها حاجة طفولية جدًا. علشان كده بيتدي العيد يفقد معناه، لأن بهجته بتقل لأن نمط الإحتفال ثابت ومتكرر وبيستمد بهجته من العناصر الخارجية الثابتة دي.
صعب جدًا انك تحتفل بحدث حصل زمان في الماض وانت معشتوش – حتى عيد ميلادك انت مستحيل تفتكر لحظة ولادتك ويمكن حياتك وانت لسه بيبي- وانك بقى تستحضر الحدث كحدث حي في الحاضر تحتفل بيه في ده اصعب واصعب.
علشان يكون لأي عيد فرح وبهجة ثابتين، لازم تكون كل حاجة في العيد مرتبطة بالحدث بتاع العيد، ولأن الماضي مش بيتكرر وحدث العيد مش بيتكرر تاني، إلا ان انعكاسات العيد دي بتتكرر. يعني الإحتفال الحقيقي بالعيد بيكون باستحضار الحدث الماضي في انعكاسات الحاضر يعني في الimpacts بتاعته علينا دلوقتي. بمعنى: عيد الميلاد هو عيد التجسد الإلهي، الله يظهر في الجسد ويخلي ذاته ليتحد بالبشرية علشان يجددها، يعني اليوم اللي اعاد الله فيه اتحاده بالبشرية الساقطة علشان يرجعها. في عيد الميلاد فيه بعدين: البعد الخلاصي وهو استرداد الانسان مرة اخرى من الموت الي الحياة ودعوة التأله، والبعد الإنساني اللي فيه بنشوف معنى اننا يعني ايه نكون على صورة الله ومثاله عمليًا: الشركة والمساواة والقيمة لكل فرد. لما الله بيتحد بالبشرية ويساوي نفسه معاها، ونبقى كلنا واحد معاه، فده معنا اننا في شركة مع بعض (وهو ده معنى كلمة كنيسة: جماعة المؤمنين المتحدة معًا) وبنكون في مساواة كاملة وتامة يعني مفيش حد احسن من حد ولا حد ااقل من حد، وبيبقى لكل واحد فينا قيمة وأهمية، لأن الله في تجسده عمل كده.

الإحتفال بالعيد علشان يكون ليه معنى لازم يكون بيحقق الأبعاد دي: الشركة والمساواة والقيمة. يعني لما الكنيسة بتجتمع يوم العيد علشان تحتفل بعيد التجسد الإلهي (عيد الميلاد) المفروض تكون بتحقق المعاني دي فعلاً، مش مجرد صلاة وترانيم وقداس ومدارس أحد. لو مكنتش الكنيسة بتحقق معنى التجسد الحقيقي يبقى بتضحك على نفسها. كل فرد في الكنيسة لازم يحس بالشركة والمساواة والقيمة.
في بعض الأحيان الكنيسة ممكن تفصل هدايا أخوة الرب لوحدهم، او مترضاش انها تدي هدايا ولا تستقبل الناس اللي من بره الكنيسة، او تحاول تقلل من كمية الهدوم والأكل والعيدية اللي بتديها للمحتاجين بحجج مختلفة او تسترخص وتجيب حاجات رديئة او ... او... او... . في كل تصرف من ده، الكنيسة بتحطم معنى التجسد الحقيقي، بتحطم الشركة والمساواة والقيمة، بتحطم صورة الله اللي المفروض تعكسها، بتتحول لمؤسسة اجتماعية بتلعب دور اجتماعي بدل ما تعكس صورة ومثال يسوع المسيح والثالوث اللي المفروض تعكسهم.

وعلى المستوى الفرد، كل فرد مننا بينزل يجيب لبس جديد، او يخرج يتفسح في مكان، عمره ما بيفكر انه ياخد معاه حد محتاج يجبله لبس، او حد منطوي وملهوش اصحاب في الكنيسة ويخرجه معاه ويفسحه. اقصى حاجة بنعملها اننا نزور شوية ملاجئ ودار مسنين ونديهم هدايا، لكن مش هي دي الشركة ومش هي دي المساواة ومش هي دي القيمة: ده ممكن تسميه إحسان. الشركة الحقيقية انك تشركهم باللي بتعمله في العيد معاك، تاخدهم معاك السينما، تاخدهم تتعشوا في مطعم، تفسحهم وتحسسهم بمعنى الحياة، ده اللي هيديهم أمل ودفعة للحياة مش مجرد لحظة تزورهم وتمشي. 

لحظة العيد هي اللحظة اللي المفروض فيها فعلا بنتحول من افراد لأشخاص، بنعكس فيها اقوى صورة للتجسد، لكن مع الأسف اصبحت هي اللحظة اللي فيها بنحقق اسوأ ما في الفردانية من تقوقع وإنعزالية.

جرب تغير إحتفالك بالعيد السنة دي، إنك تعكس صورة التجسد الحقيقية: الشركة والمساواة والقيمة، زي ما كانت الكنيسة الأولى بتعمل بالضبط (اقرأ اعمال الرسل كويس) وزي ما كان يسوع بيعمل بالضبط (اقرا الأناجيل كويس). وانت في الكنيسة بالليل او الصبح في مدارس الأحد شوف مين منعزل ومنطوي أو محتاج ودخله في شركة الجماعة، اتكلم معاه واضحك معاه، شوف مين المكسور وساعده بالقليل اللي معاك، شوف مين مجاش واتصل بيه وروحله، وانت خارج بالليل خلي لخروجك معنى خد معاك اللي مش قادر عشيه ودخله سينما. بس وانت بتعمل كل ده، اوعى تفسد المساواة والقيمة، متحسسش حد انك بتديله احسان او بتتعطف عليه او بتعمل معاه واجب لكن حسسه انك انت وهو واحد: واحد بجد.

انا عارف ان الموضوع صعب مش مسهل، لأننا متعودناش عليه، لكن اكسر حواجز الخوف، متتصرفش لوحدك، اتصرفوا كجماعة انت واصحابك انكم تغيروا معنى العيد وانكم لازم السنة دي تحققوا المعنى الحقيقي للتجسد: الشركة والمساواة والقيمة.

تعليقات

  1. تدوينه اكثر من رائعه تسلم ايد اللى كتبها وفكر فى كل كلمه فيها ربنا يبارك حياتك وتعيش وتنور كمان وكمان.. انتم نور العالم انتم ملح الارض...

    ردحذف
  2. قوية ومنظور جديد للعيد الله يساعدنا نعيشه

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لحن آجيوس إستين (أوو كيريوس ميتاسو)

  ملحوظة لقراءة الكتابة القبطية يجب تحميل هذا ال Font (إضغط هنا) يُرجح أن الألحان الكنسية نشأت مع الكنيسة نشاة الكنيسة نفسها، وتنوعت الألحان بحسب التراث الثقافي والحضاري الذي نشأت فيه كل كنيسة محلية. وتعتبر الأحان الكنسية هي جزء لا يتجزأ من العبادة، فهي كما يشير القديس باسيليوس: إن الترنيم هو هدوء النفس ومسرة الروح، يسكن الأمواج ويسكت عواصف حركات قلوبنا.

الطقس القبطي وتطور القداسات الثلاثة

[محاضرة ضمن مادة الكنيسة القبطية التي أدرسها بكلية اللاهوت الأسقفية] الطقس الديني هو مجموعة أفعال وتصرفات رمزية يستخدم فيها الإنسان جسده (عن طريق حركات معينة أو إرتداء زي معين أو ترديد كلمات معينة) لكي يُجسد أفكاره ومفاهيمه الدينية، ويُعبر عن علاقته بالقوى الفائقة التي يعبدها، مع الوقت يصير الطقس نمطًا سلوكيًا وجزءًا اصليلآ من العبادة الدينية، فمن خلال الطقس الديني يعيد الإنسان إحياء وتعيين تجربة مقدسة هي تجربة/خبرة تفاعله/تلاقيه مع الله من هنا فالطقس الديني يحتوى على أمرين: الرمزية والسلوك الإجتماعي.  والطقس الديني الجماعي (مثل ليتورجيا القداس في الكنيسة القبطية) يعزز من الإحساس بالشركة والوحدة داخل الجماعة، فالأفراد يقومون بعمل واحد معًا، وبالتالي فهو يعبر بصورة حية عن مفهوم الكنيسة ووحدتها. والطقس الديني في أساسه ليس غاية لذاته بل وسيلة للتعبير عن الغاية: العلاقة مع الله/ الإيمان؛ وينفصل الطقس عن تلك الغاية، حينما تتحول الممارسة الدينية إلى غاية في ذاتها.

هل كان المسيحيون الأوائل أكثر إيمانًا وقداسة منا اليوم؟

  عزيزي، أنت تؤمن أن مسيحيو الماضي قد وُهبُوا إيمانًا وقداسة فائقين، فقد عَبَرْوا من بوتقةِ الاضطهاد العنيف والالام التي تتجاوز عتبة التحمل لمن هم في العصر الحديث. كما أنك تؤمن أن القديسين والشهداء الأوائل، ونُساك الصحراء هم نموذج لا يُمكن لنا نحن المؤمنين المعاصرين تحقيقه. ها أنت تأبى أن تترك حنين الماضي، أو أن تُقْدِمُ على الفحصِ المتأني للمشهد الإيماني المعاصر، حتى تكتشف ذلك النسيج المعقد للحاضر، الذي يتحدى هذه المقارنات السهلة.