التخطي إلى المحتوى الرئيسي

جذور شرح عقيدة الثالوث في اللاهوت القبطي المعاصر

Ethiopian Coptic icon at the Holy Sepulchre Church, Jerusalem, Israel
*** المقال ده هو المقال الثالث في سلسلة المقالات اللي بدأتها عن اللاهوت القبطي المعاصر. أول مقال كان بعنوان: "واقع اللاهوت القبطي والإحتياج الي لاهوت سياق معاصر" ثم المقال الثاني بعنوان: "نحو لاهوت سياق قبطي: المعمودية." كمان أقدر اعتبره مرتبط في عنوانه بمقالي السابق عن الثالوث اللي كان بعنوان: "الرقصة الإلهية: الثالوث."
مقدمة
في مدينة قرطاج، في مطلع القرن الثالث صاغ ترتليان باللاتينية عقيدة الثالوث – في عمله الدفاعي ضد براكسيس Adversus Praxean - مستخدمًا مصطلحات عديدة، منها مصطلح "ثالوث trinitas" نفسه لكن باللاتينية (في ثان ظهور للكلمة في ذات السياق بعد ثاؤفيلس) في (Adv. Prax. 2.4)، جوهر substantia، وشخص (أقنوم) persona (Adv. Prax. 7.9; 11.7)، تلك المصطلحات التي كانت لها دلالتها الخاصة التي شُرحت بها، وصارت فيما بعد هي المصطلحات التقنية المتُعارف عليها سواء في اليونانية أو اللاتينية لشرح الثالوث.
ما قدمه ترتليان صار هو المدخل الكلاسيكي والمتعارف عليه لشرح الثالوث المسيحي، والذي فتح مسارًا/مدخلاً trajectory انطولوجيًا[1] لفهم جوهر الإلوهة، وهو مسار/مدخل يختلف عن ذلك الذي قُدم في العهد الجديد وفي كتابات المائة سنة الأولى (ولكنه يتفق في مقصِده). وبدءًا من ترتليان، فكل الشروحات العقيدية الخاصة بالثالوث، وكل المسارات/المداخل التي اتُبعت لأجل ذلك، كانت وليدة الحاجة والتساؤل، ففي معظم الأحيان كانت هذه التنظيرات هي ردود أفعال/دفاعات ضد تساؤلات أو هرطقات، مثلما كانت البداية في "ضد براكسيس."
وهكذا نجد أن اللاهوت الثالوثي الكلاسيكي هو في ذات الوقت لاهوت توحيدي monotheistic[2]؛ حيث يوجد إله واحد، وأن الآب والابن والروح القدس معا هم الله. أو بتعبير قانون إيمان أثناسيوس: "إذن الآب هو الله، الابن هو الله والروح القدس هو الله؛ ومع هذا فهم ليسوا ثلاثة آلهة، بل إله واحد".[3] لا يوجد هنا ثلاثة آلهة Tritheism ، لأن ثلاثة أقانيم الألوهة ليسوا منفصلين أو منقسمين، إذ أنهم – بتعبير سوينبيرن – الآب والابن والروح القدس هم إله واحد من جهة أنهم يشكلون معًا "مصدر وجود كل الأشياء الأخرى" أي "الوهة واحدة" و بينما هم ثالوث فلهم "هذا النوع من الوحدة التي لا يمكن تقسيمها"[4].
تم تطوير طريقتين رئيسيتين  لتناول موضوع الثالوث في المسيحية المبكرة. المدخل/المسار التدبيري للثالوث economical ثم المدخل الوجودي immanent/ontological.
المدخل الوجودي/الكلاسيكي هو مدخل استخدمه الآباء اليونانيون اللاحقين، والذين بحثوا وتحروا موضوع "الثالوث بصفته أزلي في ذاته، حتى بعيدا عن الخليقة"[5]. وهو المدخل الذي  استخدمه آباء الإسكندرية في شرحهم للثالوث.
أما المدخل التدبيري هو ذلك المدخل الذي استخدمه العهد الجديد وكتابات المائة سنة الأولى من بعده، والذي "يشير للثالوث كما هو معلن في التاريخ – الآب والابن والروح القدس في حركتهم الديناميكية في الخلق والفداء"[6]

 اللاهوت القبطي
يُقدمُ اللاهوت القبطي المعاصر مسارًا مختلفًا عن هذين المسارين في شرحه للثالوث يُعَبّر فيه عن الأب والابن والروح القدس بـالذات (الاب) والعقل (الابن) والحياة (الروح القدس)[7]. "فالله له ذات إلهية، وعقل، وروح. والله بعقله وروحه كيان واحد. كما أن الانسان الذي خُلق على صورة الله، له ذات بشرية، وعقل وروح والثلاثة واحد."[8] أو بطريقة أخرى "الآب هو الذات الإلهية، والإبن هو عقل الله الناطق أو نطق الله العاقل، هو حكمة الله... والروح القدس هو روح الله."[9]وتقوم الوحدانية هنا على أن الله "موجود بذاته، ناطق بكلمته، حي بروحه" فـ"الله ذات إلهية عاقلة حية فيها العقل والحياة"[10] لأنه كيف يكون الله ناطق بدون كلمته أو كيف يكون الله حيًا بدون روحه؟![11]. ووحدانية الله هي "وحدانية موجودة فلا يمكن ان نتصور الله بدون وجود، وحدانية عاقلة فلا يمكن ان نتصور الله بدون عقل، وحدانية حية فلا يمكن ان نتصور الله بدون حياة. في الله الواحد نرى الوجود او الكينونة (الاب)، العقل (الابن)، الحياة (الروح القدس) بدون ادنى انفصال بينهم."[12] وفي إطار هذا الشرح، يؤخذ عادة التكوين الإنساني كقياس أو مشابه، فالإنسان "الذي قال عنه [الله] جل شانه أنه خلقه (على صورته كشبهه) فهو ذو عقل ونطق وحياة- فالعقل يشبه الآب والنطق بالإبن والحياة بالروح القدس... فالآب يُعتبر والدًا دائمًا اي ناطق دائمًا. والابن مولود دائمًا اي نطقه. وكما أن العقل والكلمة لهما روح واحد هو حياتهما. فهكذا الآب والابن لهما روح واحد هو الروح القدس." 
هذا الشرح القبطي المعاصر مثلما نجد في معظم الكتابات  (أو العظات)[14]، يُقدم في صورة دفاع apologia لصد الإتهامات (الاسلامية) التي ترى في المسيحية تعددية و شِرك بالله. لذا فالغرض الأساسي هو تأكيد الوحدانية (البسيطة) ونفي التعددية، وفي بعض الأحيان تكون هناك محاولات لإثبات التثليث والوحدانية من نصوص القرآن[15]. والغرض الأساسي من هذه الشروحات للتثليث والتوحيد هي تبيان أن التوحيد المسيحي لا يختلف عن مثيله الإسلامي، وهو ما يتجلى فكرة أن المسيحيين والمسلمين يعبدون إلهًا واحدًا. يلفت الاب سيهل قاشا الي الفرق في صيغتي رشم الصليب بين الشرق والغرب[16] ففي حين الصيغة الغربية "باسم الاب، والابن والروح القدس آمين" تضيف الصيغة الشرقية العربية بعد "الروح القدس" عبارة "الإله الواحد آمين" تأكيدًا وشهادة عن الوحدانية في مواجهة البيئة غير المسيحية التي لم تستطيع فهم الاتفاق بين الثالوث والوحدانية في المسيحية.
الجذور
هذا النمط من شروحات الثالوث لا نجد له مثيل في كتابات الآباء اليونانية واللاتينية. ومن المُرجح بشدة أنه استُحدث للدفاع عن الثالوث والوحدانية مع بداية المجادلات المسيحية- الاسلامية في محاولة من الكُتاب المسيحيين للتوفيق بين التوحيد الإسلامي والتوحيد المسيحي مُعتمدًا على الافلاطونية –المحدثة Neo-Platonism والتي توافرت نصوصها اليونانية وترجمات منها الي العربية ربما منذ القرن الثامن والعاشر الميلادي مع العصر العباسي[17]، مثلما كان الحال مع كتابات أرسطو والتي اُعتمد عليها أيضًا خاصة في شرح التوحيد وأنواع الوحدانية.
الكتاب المسيحييون العرب قدموا الثالوث الاب والابن والروح القدس على انه الذات (الاب) والحياة (الروح القدس) والعلم (الابن)[18]، وهو فهمه الكتاب المسلمون عن الثالوث المسيحي، يقول الشهرستاني "وأثبتوا لله تعالى أقانيم ثلاثة، قالوا الباري تعالى جوهر واحد... ثلاثة بالأقنومية ويعنون بالأقانيم الصفات كالوجود والحياة والعلم... وإنما العلم تدرع وتجسد دون سائر الاقانيم."[19]لاحظ أن: عند الكتاب والفلاسفة العرب كلمة صفة لا تعني مجرد “الحالة التي يكون عليها الشئ”، بل استخدمت كمكافئ للفظ “شئ” أي بمعنى “الشئ” ذاته[20].

يُرجع ولفسون إستحداث هذه الصفات المميزة في عقيدة الثالوث: الوجود، النطق/العلم، والحياة –والتي كانت عند الاباء اليونان هي عدم ولادة الاب، وولادة الابن من الاب، وانبثاق الروح القدس من الاب (والابن لاحقًا)- الي ترجمة الالفاظ من اليونانية الي العربية[21]. إستخدم المسيحيون الذين عاشوا في ظل الحكم الاسلامي لفظ πραγματα (pragmata)  بديلاً عن وأحيانًا الي جانب لفظي πρόσωπον (prosopon) و ὑπόστασι (hypostasis) للدلالة على الأقانيم[22]. هذه الكلمة pragm تُرجمت في اعمال ارسطو المنقولة الي العربية الي "شئ" و"معنى" و"صفة"[23]
هذا النمط من الشروحات تعدد بين الكتاب المسيحيين العرب، فيحيي بن عدي (نحو 894-975م) يصف الثالوث بأن الجواد هو الاب، الابن هو الحكمة، والروح القدس هو القدرة[24]. عبد المسيح الكندي (نحو 830م) "يقدم الله بصفته جوهر، حي، عالم"؛ وإيليا النصيبي (نحو 975-1045م) يقدمه بأنه "جوهر، حي حكيم أو جوهر، حي، ناطق"[25]، وغيرهم.

وبعيدًا عن الكُتاب المسيحيين العرب غير الأقباط. فساويروس بن المقفع (نحو 915- ؟) في كتابه "مصباح العقل" في شرحه لماهية وكيفية جوهر الله الواحد يقتبس ارسطوطاليس وافلاطون وسقراط[26]. ويقدم الثالوث بنفس الطريقة "ومعنى قولنا انه اب وابن وروح قدس ... نذهب الي ان هذا الخالق حي ناطق. فنطقه كلمته، وحياته روحه."[27]بعده في القرن الثاني عشر، سمعان بن كليل بن مقارة بن ابي الفرج -وقد كان سكرتيرًا للجيوش في عهد صلاح الدين الايوبي (1171-1193م)- كتب "مقالة في التوحيد والتثليث" وهي مقالة "فريدة في التقليد ...كتبت باسلوب ومنج، يحاكيان أسلوب يحيي بن عدي ومنهجه."[28]يستهل بن كليل مقالته بالحديث عن الجوهر ويضيف"....ولذلك نقول ان الله هو كيان واحد ثلاثة أقانيم: فقولنا كيان واحد هو عبارة عن القائم بنفسه، وقولنا ثلاثة اقانيم عبارة عن الذات والحكمة والحياة"[29] ويضيف في ختام المقال "ليس الاله ثلاثة بمعنى ماهو واحد، اي انه ليس ثلاثة جواهر ولا ثلاث ذوات بل هو جوهر واحد وذات واحدة ومعبود واحد. وليس هو ايضًا واحدًا بمعنى هو ثلاثة، اي انه ليس بموصوف بصفة واحدة بل موصوف بثلاث صفات، كل صفة منها غير الاخرى...هكذا وصفنا الاله الواحد بالاب والابن والروح القدس نعني بذلك الموجود الحي الناطق."[30]لا تظهر عند بن المقفع او بن كليل صيغة "صفات ذاتية"[31] التي ستظهر فيما بعد.

بولس البوشي (اسقف مصر نحو 1240)[32] في مقالته "في التثليث" يشرح الثالوث [33]على نفس النمط فالله "متكلم حي" (125) ف"الكلمة والحياة صفات ذاتية[34]" لله (127) "لأنه لا يكون واضع ناموس الا متكلمًا، ولا يأمر وينهي إلا ناطق، ولا سميع عليم بصير إلا حي." (128) "ثم لا خالق الا بالكلمة ذات النطق، والروح ذات الحياة" (130). أيضًا في القرن الثالث عشر، يوحنا بن زكريا بن سباع (وهو كاتب قبطي مجهول السيرة) في كتابه "الجوهرة النفيسة في علوم الكنيسة" في الباب الثاني (في ذكر التثليث) يقول" اقنوم الاب قائمًا بذاته، ناطقًا بالابن، حيًا بروح قدسه. والابن قائمًا بالاب، ناطقًا بخاصته، حيًا بروح قدسه. والروح القدس قائًا بالاب، ناطقًا بالابن، حيًا بخاصته." 
ايضًا في القرن الثالث عشر، القس الرشيد ابو الخير بن الطيب، وهو كاهن وطبيب، ألف كتاب "ترياق العقول في علم الاصول" استجابة لطلب الوزير تقي الدين بين عامي 1240 و1245م[36]. في مقدمة الكتاب يشير انه يجيب بعض المسلمين الذين استفهموا عن "توحيد الجوهر وتثليث الاقانيم."[37]و"الباري تعالى واحد بسيط روحاني حي ناطق مختار واجب الوجود لذاته موصوف بصفات الكمال وانه يوصف بثلاثة اوصاف شرعية وهي الاب والابن والروح القدس" ويضيف "ويشيرون [المسيحيين] باسم الاب الي الناطق وباسم الابن الي النطق وباسم الروح القدس الي الحياة وان الثلاثة صفات هي لذات واحدة اي ذات الباري الذي يسموه جوهر."

في نفس الفترة من القرن الثالث عشر، ألف الصَّفي أبو الفضائل بن العسال (مات نحو 1260م) كتابًا بعنوان "فصول مختصرة في التثليث والتوحيد" وهو "عبارة عن عرض إيجابي منظم أعده معتمدًا على مؤلفات يحيي بن عدي (893- 974م) الفلسفية التي كان المدافعون السيحيون يحبون استخدامها."[38]وهو في هذا المُؤَلّف يبدأ بن العسال "البيعة المسيحية تعتقد أن البارئ تعالى جوهر واحد موصوف بصفات الكمال وانه يوصف بثلاثة أقانيم هي الاب والابن والروح القدس ...والصفات قائمة بالجوهر لا بذاتها، والاقنوم هو مجموع الجوهر مع الصفة المخصوصة، فالاب هو الجوهر الالهي مع صفة الابوة، والابن هو هو الجوهر المذكور مع صفة البنوة، والروح القدس هو هذا الجوهر المذكور مع صفة الانبثاق ....ثم صفاته تعالى إما ذاتية لا تتعدى ذاته كقولنا انه حي وناطق."[39]، ويضيف "واما ان الاقانيم ثلاثة لا اكثر ولا اقل ...كقول داود: بكلمة الله قامت السموات وبروحه جميع جنودها. فأشار بالله تعالى الى الاب، وبكلمته الي الابن، فان الكلمة لفظة مرادفة لإبن في شريعتنا، وبروحه الي الروح القدس." 
وفي المناظرة التي دارت بين الانبا يوساب الابح اسقف جرجا (نحو 1735-1826م) وبين أحد العلماء المسلمين في اثبات التثليث وتجسد المخلص وموته لفداء العالم (وهي المقالة الثالثة عشر من كتاب سلاح المؤمن)[41] يشرح الانبا يوساب النظرة المسيحية في الثالوث بنفس الطريقة " هذا هو قولنا، وبعينه هو اعتقادالقدس.النصارى. إن الذات والد للنطق فنقول هو الآب، والنطق مولود من الذات فنقول هو الابن، والحياة منبعثة من الذات فنقول هي الروح القدس . وبعبارة أخرى تقول: أن الآب قائم بذاته، ناطق بخاصية الابن الذي هو النطق، وحي بخاصية الحياة الذي هو الروح القدس. وأن النطق قائم بخاصية الذات الذي هو الآب، ناطق بخاصيته الذي هو الابن، حي بخاصية الحياة الذي هو الروح القدس. وأن الحياة قائمة بخاصية الذات الذي هو الآب، ناطقة بخاصية النطق الذي هو الابن ، وحية بخاصيتها الذي هو الروح القدس . وهذا هو قولنا الآب والابن والروح القدس الإله الواحد."

ونلاحظ انه في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، نرى تغييرًا في الشرح القبطي العربي للثالوث، وما يشبه العودة مرة أخرى لطريقة الشرح اللاهوتية اليونانية. وربما يكون هذا نتيجة لكتب الارساليات الغربية الكاثوليكية والبروتستانتية والتي كانت قد بدأت في الانتشار، وبدء كتاب اللاهوت الاقباط في الاقتباس منها والاعتماد عليها.
القمص عبد المسيح المسعودي (القرن التاسع عشر) في كتاب "الايضاحات الجلية" في بابه الاول "في توحيد ذات الله وتثليث صفاته" يشرح ان الله "واحد بالعدد فرد بذات جوهر لاهوته ... وهو هو نفسه ثلثة بخواصه اب وابن وروح قدس"[42] والله "بكلية ذاته لاهوت واحد ...فاللاهوت بجملته هو كيان الاب والابن والروح القدس"[43]، ويقدم عبدالمسيح شرحًا للاحتواء المتبادي prechorisis دون ان يذكر اللفظة "الابن بجملته في كلية الابن والروح القدس بالكمال، والابن بجملته في كلية اللاب والروح القدس بالكمال، والروح القدس بجملته في كلية الاب والابن والكمال. واحد بالجوهر وثلاثة بالخصيات." 
القمص فيلوثاؤس عوض رئيس الكنيسة المرقسية الكبرى عام 1903 في كتابه "الله واحد" (وهو رد على شخص في طهطا يحجد وحدانية الاله ويعتقد بوجود ثلاثة آلهة)[45] فبالاضافه لاعتماده في شرحه للثالوث على بن العسال (كتاب اصول الدين)[46]، ويحيي بن عدي (كتاب منارة الاقداس)[47] وعبد الله بن الفضل الانطاكي (بهجة المؤمن)[48] إلا أنه اعتمد ايضًا على كتابات لاهوتية غربية مثل توما الاكويني (الخلاصة اللاهوتية)[49]، ويوحنا بيروني اليسوعي (مختصر المقالات اللاهوتية)[50]، وكتاب (نظام التعليم في علم اللاهوت القويم)[51] وقد ألفه احد القسوس الامريكان لطلبة الدين بمدرسة اللاهوت في بيروت. أدى هذا الاعتماد لابتعاد القمص فيلوثاؤس عوض عن الشرح القبطي العربي التقليدي للثالوث، وتقديمه شرحًا منضبطًا اقرب للشروحات الابائية اليونانية واللاتينية. بالنسبة للقمص فيلوثاؤس، "الثالوث الاقدس متوحد في الجوهر"[52]، "... الثلاثة واحد ... انهم واحد في الجوهر والكمال والجلال والقداسة والارادة والمحبة متساوون في العظمة وكل منهم يمثل الثلاثة ويقال عنه اله واحد"[53]، وفي اقتباساته واستشهاداته "نعبد إلهًا واحدًا في تثليث وثالوثًا في توحيد. لا تخلط الاقانيم ولا نفصل الجوهر. فان للاب اقنومًا على حدة وللابن اقنومًا اخر وللروح القدس اقنومًا آخر. ولكن لاهوت الاب والابن والروح القدس كله واحد والمجد متساو والجلال ابدي معاً"[54]ويقتبس مضيفًا "ان لكل من الاب والابن والروح القدس ما للآخر من الالقاب والصفات الالهية (الا ما كان خاصً بالاقنومية) ....والمراد بذلك للاقانيم الثلاثة جوهرًا واحدًا ...كلا الاقانيم ممتاز عن الاخر (لامخلوق منه) في اقنوميته ....ان الجوهر كائن في ثلاثة اقانيم."[55]تجنب فيلوثاؤس عوض شرح التمايز بين الاقانيم ربما لأن موضوع كتابه هو وحدانية الله، لا التثليث.

وفي مطلع القرن العشرين، وفي كتابات الانبا ايسوذوروس (سوري الاصل، رئيس دير البرموس، 1897-1942م) مثل "البيّنات الواقية والبراهين الثاقبة" يبدأ الانبا ايسوذوروس شرحه ان "التغاير والاختلاف في الاقانيم والصفات، لا في الجوهر والذات"[56] فذات الله "هي ثلاث خواص ...ذاتهم واحدة، جوهرهم واحد، وقوتهم واحدة، وفعلهم واحدًا."[57] وبالرغم ان الابنا ايسوذوروس يبدأ بالشرح ان التمايز هو ان "الاقنوم الاول يتميز بخاصية الابوة ...فيكون علة الابن والروح القدس. والابن يتميز بخاصية البنوة ...والروح القدس يتميز بخاصية الانبثاق"[58] وهو في تفصيل شرحه يتبع شرحًا كلاسيكيًا يونانيًا للثالوث، إلا أنه يعود في الفقرات التالية ليقدم الشرح القبطي العربي "ان ذات الله حية، ولا حي الا بحياة، وناطقة، ولا ناطق الا بنطق ...فتكون الذات على لقيام الحياة والنطق. ومن حيث ان الذات ناطقة بالقوة ازليًا، وحيه بحياتها، اي والدة النطق وباعثة الحياة فننعتها دون الحياة والنطق بالابوة. ومن حيث ان النطق منطوق به بالقوة ازليًا، اي مولود من ذات فنصفه بالبنوة. ومن حيث ان الحياة محيَّى بها بالذات فنصفها بالانبثاق او الروح القدس"[59] و "النتيجة ان ذات البارئ حية ناطقة ...لزمنا ان نصف الذات ابًا والنطق ابنًا والحياة روحًا ...جوهر واحد لايتعدد." 
أيضًا في النصف الاول من القرن العشرين، أصدر القمص دانيال داود (رئيس دير المحرق 1937-1939م) كتاب "العقود اللؤلؤية في شرح عقائد وأفضلية المسيحية"، وشارحًا في الفصل الثاني منه "الأدلة على ان الله جوهر واحد مثلث الاقانيم." يصف القمص داود :جوهر الخالق بأنه الموجود الحي الناطق ...فالوجود والحياة والنطق صفات ذاتية جوهرية غير مشتقة من صفات اخرى غيرها ...فلكل موجود وجود ولكل حي حياة ولكل ناطق نطق"[61] "فالوجود والحياة والنطق صفات ذاتية لله وأن شئت فقل خواص جوهرية، واية صفة اخذتها من هذه الصفات الذاتية الثلاث مع جوهرها العام تسمى إلهًا او اقنومًا، فالاقنوم هو الجوهر مع صفة ما من هذه الصفات الذاتية، اذًا فالأقانيم ثلاثة وهي متفقة في وحدة الجوهرة، مختلفة في مدلول الاقنومية." 
وفي كتاب منحول يُسمى "كمال البرهان على حقيقة الايمان" يُنسب الي اثناسيوس الرسولي، نشره القمص منسى يوحنا، واشار انه وجد مخطوطته في فلسطين عام 1927، يقول ان الله "إله واحد من طبيعة واحدة ...معروف معبود بقوامات ثلاثة تامة وهي جهات ثلاثة معبودة نؤمن بها ونعبدها بسجود واحد... وان القوامات التي هي الجهات تميز بين افتراق وتجمع بلا اختلاط وهي الاب والابن والروح القدس واسماء ثلاثة بجهات ثلاثة في جوهر إله واحد بها تعبدنا ...اسماء ثلاث لبر واحد معروف بجهاتها وخواصها التي تميز بينها بلا فرقة وذلك ان خاصة الاب والد يلد ولا يولد، وخاصة الابن مولود ولا يلد، وخاصة الروح القدس منبثق لا يلد ولا يولد."[63] يستخدم هذا الشرح -برغم انه يفرق بين الاقانيم بالوالدية والولادة والانبثاق- ألفاظ لانجدها متكررة في الكتابات القبطية العربية عن الثالوث مثل "القوامات" و"الجهات" المستخدمة للدلالة على الاقانيم، وبرغم استفاضة المؤلف في شرح الثالوث بألفاظ "القوامات" و"الجهاد" و"الخواص"[64]، إلا ان الكتاب ومنذ نشره ورغم نسبه الي اثاسيوس الرسولي الذي يحتل مكانة كبيرة في التراث القبطي، فالكتاب ليس له اي تأثير على شروحات الثالوث عند الكتاب الاقباط.

في نفس الفترة، أصدر القمص ميخائيل مينا مدير كلية اللاهوت بحلوان ثلاثة مجلدات بعنوان "علم اللاهوت بحسب معتقد الكنيسة القبطية الارثوذكسية" ويمكن اعتبارها اول محاولة جادة لتقديم لاهوت نظامي قبطي. في الباب السادس من الجزء الاول وهو بعنوان "تثليث اقانيم الله وتوحيد ذاته الإلهية"،وفي الهامش رقم (1) يقول القمص ميخائيل أن "التثليث او الثالوث باليونانية (اترياس) ومعناها (واحد وثلاثة) فكلمة واحد تعبر عن طبيعته) وكلمه ثلاثة تعبر عن (أقانيم)"[65] وهي اشارة لضئالة المعرفة باللغة اليونانية. وفي هذا الفصل يُقدم مقاربة بين ذات الانسان والله: "الذي [الانسان] قال عنه [الله] جل شانه أنه خلقه (على صورته كشبهه) فهو ذو عقل ونطق وحياة- فالعقل يشبه الآب والنطق بالإبن والحياة بالروح القدس... فالآب يُعتبر والدًا دائمًا اي ناطق دائمًا. والابن مولود دائمًا اي نطقه. وكما أن العقل والكلمة لهما روح واحد هو حياتهما. فهكذا الآب والابن لهما روح واحد هو الروح القدس." [66]

ختام
يضرب الشرح العقائدي القبطي المعاصر بجذوره في المسيحية العربيةوليس في المسيحية السكندرية الابائية- التي وجدت نفسها أمام واقع ديني إجتماعي جديد يهاجم إيمانها الثالوثي بضراوة حتَّمَ عليها أن تقدم الثالوث في صياغات –بدت آنذاك لكتابها منطقية ومنضبطة- يتقبلها الفكر الاسلامي الذي يؤمن بوحدانية مانعة قاصرة restrict exclusive monotheism، ووجدت هذه الصياغات فيما يبدو غايتها في كتابات الفلاسفة اليونان (ارسطو وافلاطون وغيرهم) والتي تُرجمت الي العربية في تلك الفترة، او استقوا منها هم في لغتها الاصلية، مقدمين مسارًا جديدًا في شرح الثالوث، كما يُظهر التراث القبطي اعتمادًا كبيرًا مباشرًا في بعض الأحيان وغير مباشر في أحيان أخرى على مؤلفات يحيي بن عدي. هذا الشرح استمر على انه الشرح اللاهوتي المنضبط للثالوث بحسب ما قدمه العهد الجديد واباء الكنيسة (وهو امر غير صحيح)، ولم يحاول الخطاب اللاهوتي القبطي المعاصر ان يتوقف عنده او يقارنه بما سبق او حتى يفحصه ويُعيد تقيمه، ربما لأنه لازال منكفأً وخائفًا من اي شروحات قد تسبب ارتباكًا في سياقه الاسلامي المحيط.



[1] انطولوجي Οντολογία: أي وجودي (سنشرح المسارات المختلفة في فهم الثالوث لاحقًا)
[2] الكلمة الإنجليزية والتي صكلها هنري مور (1614-1678م)- ينحدر أصلها من مقطعين يونانيين μονος  بمعنى مفرد/واحد، و θεος بمعنى الله.
[3] Thomas H McCall and Michael C Rea, Philosophical and Theological Essays on the Trinity (Oxford; New York: Oxford University Press, 2009), 11.
[4] Richard Swinburne, The Christian God (Oxford: Clarendon Press, 2007), 18.
[5] Plantinga, Thompson, and Lundberg, An Introduction to Christian Theology, 119.
[6] Ibid.
[7] شنودة الثالث (الأنبا), قانون الايمان (القاهرة: الكلية الاكليريكية للاقباط الارثوذكس, 1997), 14.
[8] Ibid., 13.
[9] Ibid., 14.
[10] شنودة الثالث (الأنبا), التثليث والتوحيد: محاضرة ألقاها قداسة البابا شنودة الثالث في لقاء الشباب المسكوني يوم 26/2/1977 (الشرقية: الشماس عبد المسيح روفائيل, بدون تاريخ), 10.
[11] Ibid., 14.
[12] حلمي القمص, التثليث والتوحيد هل ضد العقل؟, الطابعة العاشرة, اقرأ وافهم ايمان كنيستنا (الاسكندرية: كنيسة القديسين مار مرقس والبابا بطرس, بدون تاريخ), 30.
[13] ميخائيل مينا (القمص), علم اللاهوت بحسب معتقد الكنيسة القبطية الارثوذكسية، المجلد الاول, الطبعة الرابعة (القاهرة, 1948), 182–83.
[14] انظر على سبيل المثال وليس الحصر: شنودة الثالث (الأنبا), قانون الايمان; شنودة الثالث (الأنبا), التثليث والتوحيد: محاضرة ألقاها قداسة البابا شنودة الثالث في لقاء الشباب المسكوني يوم 26/2/1977; القمص, التثليث والتوحيد هل ضد العقل؟; مينا (القمص), علم اللاهوت بحسب معتقد الكنيسة القبطية الارثوذكسية، المجلد الاول.
[15] انظر على سبيل المثال: شنودة الثالث (الأنبا), التثليث والتوحيد: محاضرة ألقاها قداسة البابا شنودة الثالث في لقاء الشباب المسكوني يوم 26/2/1977; مينا (القمص), علم اللاهوت بحسب معتقد الكنيسة القبطية الارثوذكسية، المجلد الاول.
[16] سهيل قاشا (الاب), تاريخ التراث العربي المسيحي (لبنان: منشورات الرسل, 2003), 31.
[17] انظر ام. جي. يونج, جي. دي. لاثام, and ار. بي. سيرجنت, eds., الدين والتعليم في العصر العباسي, 2446 (القاهرة: المركز القومي للترجمة, 2016).
[18] هاري أ. ولفسون, فلسفة المتكلمين, الطبعة الثالثة, vol. المجلد الأول, 721/3 (القاهرة: المركز القومي للترجمة, 2016), 200.
[19] محمد بن عبد الكريم الشهرستاني, الملل والنحل, ed. أحمد فهمي محمد (بيروت: دار الكتب العلمية, 1992), 245.
[20] للمزيد انظر ibid., المجلد الأول:192–98; ساويروس بن المقفع, مصباح العقل, ed. سمير خليل اليسوعي (الاب), التراث العربي المسيحي 1 (القاهرة, 1978), 27.
[21] انظر: أ. ولفسون, فلسفة المتكلمين, المجلد الأول:191–200.
[22] Ibid., المجلد الأول:195.
[23] Ibid., المجلد الأول:192; 195.
[24] يحيي بن عدي, مقالة في التوحيد, ed. سمير خليل اليسوعي (الاب), التراث العربي المسيحي 2 (لبنان: المكتبة البولسية, 1980), 126.
[25] Ibid.
[26] بن المقفع, مصباح العقل, 16–18.
[27] Ibid., 19.
[28] اثناسيوس المقاري (الراهب), فهرس كتابات آباء آباء كنيسة الاسكندرية، الكتابات العربية، الجزء الاول (القاهرة, 2011), 282.
[29] Paul Sbath, Vingt Traités Philosophiques et Apologétiques D’auteurs Arabes Chrétiens Du IXe Au XIVe Siècle (Cairo, 1929), 102.
[30] Ibid., 111.
[31] يبدو ان صيغة "صفات ذاتية" هي ترجمة للصيغة اليونانية "υποστατικαι ιδιοτητες"  والتي تعني "خواص أقنومية." انظر بالاعلى تعليق ولفسون على ترجمة الفاظ "اقنوم" اليونانية الي العربية.
[32] تأثر بولس البوشي برسالة ابو رائطة التكريتي “رسالة في الثالوث المقدس” (عاش نحو 800م). انظر بولس البوشي, مقالة في التثليث والتجسد وصحة المسيحية, ed. سمير خليل اليسوعي (الاب), التراث العربي المسيحي 4 (لبنان: دير الملاك ميخائيل, 1983), 94–96; Mina Fouad and Emad Atef, “Abū Rāʾitạ Al-Takrītī: A Case Study for the Renewal of the Coptic Orthodox Doctrine of the Oneness of God,” Alexandria School Journal 2 (July 2015).
[33] البوشي, مقالة في التثليث والتجسد وصحة المسيحية.
[34] صفات ذاتية تعني أقانيم، انظر هامش رقم 11
[35] يوحنا بن ابي زكريا بن سباع, الجوهرة النفيسة في علوم الكنيسة, ed. فيكتور منصور مستريح (الاب), دراسات شرقية مسيحية في الكنيسة المصرية (القاهرة: المركز الفرنسيسكاني للدراسات الشرقية المسيحية, 1966), 6.
[36] فهرس كتابات آباء آباء كنيسة الاسكندرية، الكتابات العربية، الجزء الاول, 313.
[37] اعتمدنا في نصوص “ترياق العقول” على عدة مخطوطات بالاضافة للاجزاء الموجودة في Sbath, Vingt Traités Philosophiques et Apologétiques D’auteurs Arabes Chrétiens Du IXe Au XIVe Siècle.
[38] فهرس كتابات آباء آباء كنيسة الاسكندرية، الكتابات العربية، الجزء الاول, 495.
[39] Sbath, Vingt Traités Philosophiques et Apologétiques D’auteurs Arabes Chrétiens Du IXe Au XIVe Siècle, 111–12.
[40] Ibid., 115.
[41] نصوص المحاورة هنا هي من النسخة التي نشرها القمص منسى يوحنا وهي بدون دار نشر او مكان نشر ومؤرخة 1947م، وجرى مقارنتها بعدة مخطوطات
[42] عبدالمسيح المسعودي (القمص), الايضاحات الجلية في امانة الكنيسة القبطية الارثوذكسية بموجب النصوص الرسولية والرموز النبوية, طُبع في المطبعة الابراهيمية (الاسكندرية: بدون, 1890), 5–6.
[43] Ibid., 6.
[44] Ibid., 7.
[45] فيلوثاؤس عوض (الايغومانس), الله واحد, طيع على نفقة جمعية التوفيق (بدون: بدون, 1903), 2.
[46] Ibid., 11.
[47] Ibid., 13–14.
[48] Ibid.
[49] Ibid., 16.
[50] Ibid., 18–19.
[51] Ibid., 22.
[52] Ibid., 5.
[53] Ibid., 6.
[54] Ibid., 20.
[55] Ibid., 23.
[56] ايسوذورس (الانبا، العلامة المتنيح رئيس دير البرموس), البينات الواقية والبراهين الثاقبة (برية شهيت: دير السيدة العذراء برموس, 2010), 55.
[57] Ibid., 56.
[58] Ibid., 56–57.
[59] Ibid., 57.
[60] Ibid., 69–70.
[61] دانيال داود (رئيس دير السيدة العذراء بالمحرق), العقود اللؤلؤية في شرح عقائد وافضلية المسيحية (دير العذرء المحرق, 2006), 47.
[62] Ibid., 48.
[63] منسى يوحنا (القمص), كمال البرهان على حقيقة الايمان للقديس اثناسيوس الرسولي (القاهرة: مكتبة المحبة, 1988), 23.
[64] Ibid., 24–27.
[65] مينا (القمص), علم اللاهوت بحسب معتقد الكنيسة القبطية الارثوذكسية، المجلد الاول, 157.
[66] Ibid., 182–83.

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لحن آجيوس إستين (أوو كيريوس ميتاسو)

  ملحوظة لقراءة الكتابة القبطية يجب تحميل هذا ال Font (إضغط هنا) يُرجح أن الألحان الكنسية نشأت مع الكنيسة نشاة الكنيسة نفسها، وتنوعت الألحان بحسب التراث الثقافي والحضاري الذي نشأت فيه كل كنيسة محلية. وتعتبر الأحان الكنسية هي جزء لا يتجزأ من العبادة، فهي كما يشير القديس باسيليوس: إن الترنيم هو هدوء النفس ومسرة الروح، يسكن الأمواج ويسكت عواصف حركات قلوبنا.

الطقس القبطي وتطور القداسات الثلاثة

[محاضرة ضمن مادة الكنيسة القبطية التي أدرسها بكلية اللاهوت الأسقفية] الطقس الديني هو مجموعة أفعال وتصرفات رمزية يستخدم فيها الإنسان جسده (عن طريق حركات معينة أو إرتداء زي معين أو ترديد كلمات معينة) لكي يُجسد أفكاره ومفاهيمه الدينية، ويُعبر عن علاقته بالقوى الفائقة التي يعبدها، مع الوقت يصير الطقس نمطًا سلوكيًا وجزءًا اصليلآ من العبادة الدينية، فمن خلال الطقس الديني يعيد الإنسان إحياء وتعيين تجربة مقدسة هي تجربة/خبرة تفاعله/تلاقيه مع الله من هنا فالطقس الديني يحتوى على أمرين: الرمزية والسلوك الإجتماعي.  والطقس الديني الجماعي (مثل ليتورجيا القداس في الكنيسة القبطية) يعزز من الإحساس بالشركة والوحدة داخل الجماعة، فالأفراد يقومون بعمل واحد معًا، وبالتالي فهو يعبر بصورة حية عن مفهوم الكنيسة ووحدتها. والطقس الديني في أساسه ليس غاية لذاته بل وسيلة للتعبير عن الغاية: العلاقة مع الله/ الإيمان؛ وينفصل الطقس عن تلك الغاية، حينما تتحول الممارسة الدينية إلى غاية في ذاتها.

هل كان المسيحيون الأوائل أكثر إيمانًا وقداسة منا اليوم؟

  عزيزي، أنت تؤمن أن مسيحيو الماضي قد وُهبُوا إيمانًا وقداسة فائقين، فقد عَبَرْوا من بوتقةِ الاضطهاد العنيف والالام التي تتجاوز عتبة التحمل لمن هم في العصر الحديث. كما أنك تؤمن أن القديسين والشهداء الأوائل، ونُساك الصحراء هم نموذج لا يُمكن لنا نحن المؤمنين المعاصرين تحقيقه. ها أنت تأبى أن تترك حنين الماضي، أو أن تُقْدِمُ على الفحصِ المتأني للمشهد الإيماني المعاصر، حتى تكتشف ذلك النسيج المعقد للحاضر، الذي يتحدى هذه المقارنات السهلة.