التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حينما يتداخل "ما لله" مع "ما لقيصر"

Leviathan (Thomas Hobbes)
حان الوقت لآن تتولى جماعة الإخوان المسلمين إعادة تشكيل المجتمع المصري وتنظيمه من أجل التنمية والازدهار." 2012 (https://goo.gl/Uqrusw)
"قول نعم يُزيد النعم" 2013 (https://goo.gl/jBgGf5)
"إحنا كلنا بنجمع كمصريين مش هقول اقباط او مسلمين انهم خرجوا للاستقرار خرجوا للإمان ان يكون الزعيم مبارك هو القائد الذي يقود مصر لبر الامان" 2011 (https://goo.gl/LURAk8)
اللي فات هي نماذج من التصريحات الدينية-السياسة من الفترة اللي ما قبل تولي السيسي الرئاسة. لكن قبل ما نتكلم عليها، خلونا نتكلم على العالم من حوالينا شوية.

في سنة 2009 إجتمع ممثلين من كل الطوائف المسيحية اقباط، روم، سريان، أحباش، لوثرين، ارمن، اسقفيين/انجليكان وغيرهم في فلسطين. واصدروا وثيقة مهمة جدًا عنوانها: "كايروس: كلمة إيمان ورجاء ومحبّة من قلب المعاناة الفلسطينية." كلمة كايروس معناها وقفة حق. علشان يبقى عنوان الوثيقة: "وقفة حق: كلمة ايمان ورجاء ومحبة من قلب المعاناة الفلسطينية."
الهدف من الوثيقة كان التعبير عن الأزمة الفلسطينية. الوثيقة بدأت كده: "هذه الوثيقة هي كلمة الفلسطينين المسيحيين للعالم حول ما يجري في فلسطين. هي وثيقة كتبت في هذه اللحظة الزمنية التي نريد ان نرى فيها تجلي نعمة الله في هذه الارض المقدسة وفي المعاناة التي نمر بها." وطالبت الوثيقة المجتمع الدولي لوقفة حق تجاه ما يواجهه الشعب الفلسطيني من ظلم وتشريد ومعاناة وتمييز عنصري، واضافت ان الاحتلال العسكري هو خطيئة ضد الله والانسان. وده كان هدف الوثيقة وقفة حق علشان تدفع المجتمع الدولي لرفع المعاناة الفلسطينية.

ايا كان موقفك من المشكلة الفلسطينية او الارض بتاعة مين، ده جدل سياسي تاريخي. لكن فيه حقيقة مؤكدة ان الفلسطنيين بيعانوا. دي مكنتش اول مرة تصدر وثيقة زي دي، على سبيل المثال في سنة 1985 صدرت وثيقة كايروس جنوب افريقيا على يد مجموعة من اللاهوتين السود علشان تتحدى موقف الكنيسة تجاه سياسة الابرتهايد او التمييز العرقي اللي كانوا بيمارس ضد السود هناك.
لو قريت الوثائق دي هتكتشف انها مش وثائق سياسية، لكنها وثائق لاهوتية ايمانية إنسانية. الكنيسة فيها بتخاطب المجتمع الدولي والمسيحيين في العالم انهم يقفوا ضد الظلم والقهر والعدوان. وده مش مجرد موقف حديث من الكنيسة، لكن ضد موقف بالغ القدم، شوفناه مع يسوع، وشوفناه حتى مع الكتاب المسيحيين الاوائل زي اثيناغوراس ويوستينوس وغيرهم اللي كاتبوا للأباطرة الرومان بيطالبوا فيه برفع الظلم والاضطهاد عن المسيحيين.

وده بيعبر عن العلاقة الحقيقة بين الكنيسة والسياسة. الكنيسة مش المفترض انها تكون لاعب سياسي او تدعم نظام مهما كان النظام جميل وحلو، ولا المفترض انها تدعم زعيم سياسي وتعتبره انه المخلص او عطية الله. لكن الكنيسة دورها انها تنتقد الممارسات السياسية الظالمة والعدوانية، المفترض انها تنبه ليها وتقف قصادها. الكنيسة المفترض انها بتعلن صوت الحق والمساواة والعدل.

خلينا نبص للموضوع بطريقة تانية، بالرغم من التعريفات المتعددة لكلمة سياسة. لكن نقدر نختصر العملية السياسية في كلمتين "الصراع" و"السلطة". السياسة ببساطة هي جماعات او احزاب سياسية بتتنافس على السلطة بالاضافة لممارسة السلطة ذاتها من قبل النظام الحاكم. بالتالي فالافراد في الدولة هم اما مشاركون في العملية السياسية من خلال انتمائهم للاحزاب او الجماعات دي او كونهم جزء من النظام الحاكم.

علشان كده من الناحية العملية، فالكنيسة لما بتدخل العملية السياسية اللي هي عملية الصراع والسلطة وبتنحاز لطرف ما ضد طرف آخر، فهي بتورط نفسها مع الادوات الغير اخلاقية للسياسة لأنها بتضطر تصمت وتقبل الاساليب دي من الطرف اللي بتؤيده وده تمامًا عكس دورها الحقيقي زي اللي بنشوفه في كايروس فلسطين وكايروس جنوب افريقيا. بيتحول الامر من مجرد تأييد لطرف سياسي لصمت وقبول للأ ساليب اللا اخلاقية او القمعية للممارسة السياسية لأنها ببساطة مينفعش تؤيده السياسة وتعارضها في نفس الوقت.

تعليقات

  1. أفتكر يا مينا أن دي نوعية المقالات اللي بنحتاجها اليومين دول ..
    مقالة سهلة و بسيطة و ممتعة و في الجون 😍

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لحن آجيوس إستين (أوو كيريوس ميتاسو)

  ملحوظة لقراءة الكتابة القبطية يجب تحميل هذا ال Font (إضغط هنا) يُرجح أن الألحان الكنسية نشأت مع الكنيسة نشاة الكنيسة نفسها، وتنوعت الألحان بحسب التراث الثقافي والحضاري الذي نشأت فيه كل كنيسة محلية. وتعتبر الأحان الكنسية هي جزء لا يتجزأ من العبادة، فهي كما يشير القديس باسيليوس: إن الترنيم هو هدوء النفس ومسرة الروح، يسكن الأمواج ويسكت عواصف حركات قلوبنا.

الطقس القبطي وتطور القداسات الثلاثة

[محاضرة ضمن مادة الكنيسة القبطية التي أدرسها بكلية اللاهوت الأسقفية] الطقس الديني هو مجموعة أفعال وتصرفات رمزية يستخدم فيها الإنسان جسده (عن طريق حركات معينة أو إرتداء زي معين أو ترديد كلمات معينة) لكي يُجسد أفكاره ومفاهيمه الدينية، ويُعبر عن علاقته بالقوى الفائقة التي يعبدها، مع الوقت يصير الطقس نمطًا سلوكيًا وجزءًا اصليلآ من العبادة الدينية، فمن خلال الطقس الديني يعيد الإنسان إحياء وتعيين تجربة مقدسة هي تجربة/خبرة تفاعله/تلاقيه مع الله من هنا فالطقس الديني يحتوى على أمرين: الرمزية والسلوك الإجتماعي.  والطقس الديني الجماعي (مثل ليتورجيا القداس في الكنيسة القبطية) يعزز من الإحساس بالشركة والوحدة داخل الجماعة، فالأفراد يقومون بعمل واحد معًا، وبالتالي فهو يعبر بصورة حية عن مفهوم الكنيسة ووحدتها. والطقس الديني في أساسه ليس غاية لذاته بل وسيلة للتعبير عن الغاية: العلاقة مع الله/ الإيمان؛ وينفصل الطقس عن تلك الغاية، حينما تتحول الممارسة الدينية إلى غاية في ذاتها.

هل كان المسيحيون الأوائل أكثر إيمانًا وقداسة منا اليوم؟

  عزيزي، أنت تؤمن أن مسيحيو الماضي قد وُهبُوا إيمانًا وقداسة فائقين، فقد عَبَرْوا من بوتقةِ الاضطهاد العنيف والالام التي تتجاوز عتبة التحمل لمن هم في العصر الحديث. كما أنك تؤمن أن القديسين والشهداء الأوائل، ونُساك الصحراء هم نموذج لا يُمكن لنا نحن المؤمنين المعاصرين تحقيقه. ها أنت تأبى أن تترك حنين الماضي، أو أن تُقْدِمُ على الفحصِ المتأني للمشهد الإيماني المعاصر، حتى تكتشف ذلك النسيج المعقد للحاضر، الذي يتحدى هذه المقارنات السهلة.