التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المسيحي وفيروس كورونا: كيف فشلت كنيسة في كوريا الجنوبية في مسؤوليتها الاجتماعية!

(1)

في الأول من مارس 2020، وفي مؤتمرٍ صحفي، جثا "لي-مين-هي" قائد كنيسة "يسوع في شينشونجي Schincheonji" على ركبتيه معتذرًا للأمة على تسبب كنيسته في تفشي فيروس كورونا في كوريا الجنوبية. كنيسة يسوع في مقاطعة شينشونجي هو واحدة من الكنائس العملاقة mega church والتي يصل تعداد أعضائها إلى ثلاثمائة ألف فرد، وهي واحدة من أكثر الكنائس نموًا في كوريا الجنوبية.
يقارب تعداد المصابين في كوريا الجنوبية حتى تاريخه التسعة آلاف فرد، بالإضافة إلى أكثر من مائة وفاة. من بين المصابين أكثر من أربعة آلاف فرد هم أعضاء في كنيسة شينشونجي. لكن كيف تسببت هذه الكنيسة في التفشي؟!. يقول دوهيان-كيم أحد الأعضاء أن كنيسته تؤمن أنه مهما كنت مريضًا فيجب أن تأتي في يوم الأحد، وإن لم تقدر، فيجب أن تأتي يوم الإثنين أو الثلاثاء. ونتيجة التعداد الكبير لأعضاء الكنيسة، فالحضور يلتصقون ببعضهم كالسردين حتى أن البعض يجلس على الأرض نتيجة الازدحام. ويضيف أن الكنيسة كانت ترفض أن يرتدوا الأقنعة الواقية خلال الصلاة، حتى بعد انتشار الجائحة في العالم معللين ذلك أنها "عدم احترام [إساءة] لله" (تصريحات من مقابلة مع سي إن إن). ومن بين مائتين وثلاثين ألف عضو في الكنيسة تم عمل اختبارات لهم، تم تشخيص تسعة آلاف حالة إيجابية حاملة للفيروس (وإن لم تظهر الأعراض على الكل).

قررت حكومة سيول مقاضاة هذه الكنيسة واثني عشر فردًا من قادتها، لما سببته من تفشي في جميع أنحاء البلاد. في الوقت الذي كانت فيه الكنائس الكاثوليكية ومعظم الكنائس البروتستانتية، وحتى المعابد البوذية مغلقة أبوابها. كما بدأ الشعب الكوري في حملة جميع توقيعات لحل هذه الكنيسة نهائيًا، جُمع منها حتى الآن ما يقارب الثلاثة ملايين توقيع.
(2)
فشلت هذه الجماعة المسيحية في مسؤوليتها الاجتماعية. أدى التفكير اللاهوتي المعيب لهذه الكنيسة، ورفضها تحمل مسؤولية اجتماعية تجاه مجتمعها، واعتمادها على مفهوم متضرر واتكالي للإيمان، إلى نشر الفيروس في كافة أنحاء كوريا الجنوبية.
يتحدث يسوع أننا "ملح الأرض" و"نور العالم" (مت 5: 13-16)، ويطلب بطرس في رسالته الأولى "أن تكون سيرتكم بين الأمم حسنة، لكي يكونوا فيما يفترون عليكم كفاعلي شر يمجدون الله في يوم الافتقاد، من أجل أعمالكم الحسنة التي يلاحظونها." (1بط 2: 12)، ويطلب بولس أيضًا أن سلطاننا لا يجب أن يكون عثرة للضعفاء، فبهذه الطريقة سيهلك الأخ الضعيف، ويضيف "وهكذا إذ تخطئون إلى الأخوة وتجرحون ضميرهم الضعيف تخطئون إلى المسيح." (1كو 7- 13).
هذه السمة من المسؤولية الاجتماعية نجدها أيضًا في الكتابات المسيحية المُبكرة فيما بعد العهد الجديد فكل من كاتب الرسالة إلى ديوجنيتوس، والمُرافعة التي قدمها دفاعًا أثيناغوراس عن المسيحيين للإمبراطور ماركوس أوريليوس تتحدث عن دور المسيحيين الفعال في الحفاظ على المجتمع. لكن كيف يمكن أن نحقق ما تحدث عنه العهد الجديد، والكتابات المسيحية المُبكرة في الكرازة الفعالة إلى العالم دون عثرة، وإتمام مسؤوليتنا الاجتماعية، ونحن نثير ذعرًا في المجتمع؟!!. إن العالم الآن يزداد هلعًا، وخوفًا من أية تجمعات حتى لا يزداد الأمر كارثية. وفيما يحدث هذا من حولنا، نحن نزداد إصرارًا على تجاهل مسؤوليتنا الاجتماعية كجماعة مسيحية. والذي حدث، أننا جعلنا المجتمع الخارجي يتكلم عنا رديًا، ويسيئ إلى إيماننا، وينظر إلينا أن بلا مسؤولية، وأن إلهنا هو إله أناني لا يأبه بالعالم. لقد شوهنا صورة المسيح التي يُفترض أن نقدمها للعالم، وبدلاً من نكون مُبادرين لمساعدة المجتمع، وذرع السلام بدل الهلع فيه. لا زالنا نُصر على تجاهل مسؤوليتنا الاجتماعية، والكرازة الحية الفعالة التي يُفترض بنا أن نٌقدمها.
(3)
"السلوك المسيحي هو تعبير المؤمن عن تجاوبه مع نعمة الله خالقه ومُخلصه، ويقوم على أساس علاقة شخصية تربط الإنسان بالمسيح ارتباطًا عميقًا، ويرتكز على حياة صلاة صادقة." (الأب نادر ميشيل، مدعوّون إلى الحرية، 49)
(4)
بينما يقول بولس الرسول "وأما الرب فهو الروح، و حيث روح الرب هناك حرية." (2كو  3: 17)، فنحن نُكبل المجتمع بالخوف، بتجاهل مسؤوليتنا تجاهه. لو ظلت الجماعة المسيحية: الكنيسة، في مصر، متخلية عن دورها ومسؤوليتها الاجتماعية؛ لن تساهم فقط في انتشار الوباء جنبا إلى جنب مع مجتمع يفتقد تماما للإحساس بالمسؤولية، بل ستتسبب في أزمة إيمانية حادة لدى الالاف من المسيحيين، وأزمة بينها وبين المجتمع الخارجي. وهي تداعيات لن يقدر أحد على رأب صدعها لعشرات أو ربما لمئات السنين.
 (5)
سرّ المسيح هو حقيقة لن يلمسها المجتمع الخارجي في خطابات متلفزة أو عظات تبشيرية، بل هو حقيقة لا يمكن التلامس معها دون اختبار حقيقي تقدمه له الجماعة المسيحية (التي هي جسد المسيح) في عمق أزمته. بالتأكيد، يمكن للجماعة المسيحية أن تتوقف عن صلواتها الليتورجية الجماعية لبعض من الوقت، لا لكي تهرب من الجائحة بل كي تنطلق من مسؤوليتها الاجتماعية تجاه الحفاظ على المجتمع الذي تحيا فيه. وهي هنا إذ تبذل نفسها كذبيحة حب مُخليتًا ذاتها لأجل الآخرين، فهي هكذا تقدم عبادة حقيقية لله.
لنصلي. آمين
 (6)
***تحديث***
صدر بيان من قداسة البابا تواضروس بإلغاء القداسات وكافة الأنشطة الكنسية، بتاريخ اليوم السبت 21 مارس 2020. وفي هذا التزام جاد وتام من قبل الكنيسة القبطية بمسؤوليتها الاجتماعية. لكن يبقى على المجتمع المسيحي نفسه الالتزام وأن يكون قدوة في هذا الإطار.
لنصلي. آمين

المقال الأول: المسيحي وفيروس كورونا: ثلاثة أفكار
المقال الثاني: الله، أيوب، نحن، وفيروس كورونا
المقال الثالث: الجماعة المسيحية، المسؤولية، وفيروس كورونا
التعليق الرابع: الجماعة المسيحية، المسؤولية، التداعيات
المقال الخامس: المسيحي وفيروس كورونا: كيف فشلت كنيسة في كوريا الجنوبية في مسؤوليتها الاجتماعية!

تباعوا المقالات على الهاشتاج #المسيحي_و_فيروس_كورونا
المراجع

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لحن آجيوس إستين (أوو كيريوس ميتاسو)

  ملحوظة لقراءة الكتابة القبطية يجب تحميل هذا ال Font (إضغط هنا) يُرجح أن الألحان الكنسية نشأت مع الكنيسة نشاة الكنيسة نفسها، وتنوعت الألحان بحسب التراث الثقافي والحضاري الذي نشأت فيه كل كنيسة محلية. وتعتبر الأحان الكنسية هي جزء لا يتجزأ من العبادة، فهي كما يشير القديس باسيليوس: إن الترنيم هو هدوء النفس ومسرة الروح، يسكن الأمواج ويسكت عواصف حركات قلوبنا.

الطقس القبطي وتطور القداسات الثلاثة

[محاضرة ضمن مادة الكنيسة القبطية التي أدرسها بكلية اللاهوت الأسقفية] الطقس الديني هو مجموعة أفعال وتصرفات رمزية يستخدم فيها الإنسان جسده (عن طريق حركات معينة أو إرتداء زي معين أو ترديد كلمات معينة) لكي يُجسد أفكاره ومفاهيمه الدينية، ويُعبر عن علاقته بالقوى الفائقة التي يعبدها، مع الوقت يصير الطقس نمطًا سلوكيًا وجزءًا اصليلآ من العبادة الدينية، فمن خلال الطقس الديني يعيد الإنسان إحياء وتعيين تجربة مقدسة هي تجربة/خبرة تفاعله/تلاقيه مع الله من هنا فالطقس الديني يحتوى على أمرين: الرمزية والسلوك الإجتماعي.  والطقس الديني الجماعي (مثل ليتورجيا القداس في الكنيسة القبطية) يعزز من الإحساس بالشركة والوحدة داخل الجماعة، فالأفراد يقومون بعمل واحد معًا، وبالتالي فهو يعبر بصورة حية عن مفهوم الكنيسة ووحدتها. والطقس الديني في أساسه ليس غاية لذاته بل وسيلة للتعبير عن الغاية: العلاقة مع الله/ الإيمان؛ وينفصل الطقس عن تلك الغاية، حينما تتحول الممارسة الدينية إلى غاية في ذاتها.

الثاليا: قصيدة آريوس، مقدمة وترجمة

الآريوسية هي المسيحية الحقيقة: "المسيحية الموحدة بالله"، قَدَمَ هذه الفكرة أحد الكتاب المصريين ونشرها في احد الجرائد الرسمية، وكتب عدة مقالات متفرقة عنها. ووصف آريوس والآريوسيين بالـ "مسيحيين الموحدين بالله"، وكان القصد من ذلك الإشارة أن المسيحية الأرثوذكسية التي واجهت للآريوسية لم تكن موحدة بالله لوجود فكرة الثالوث ، وان آريوس – كحامل للمسيحية الصحيحة- قدم المسيح كإنسان ونبي. لكن في مجمع نيقية تم الحكم على آريوس ظلمًا وإختراع فكرة الثالوث وتأليه المسيح.