التخطي إلى المحتوى الرئيسي

قراءة في كتاب "الدم والنار: تُراث أقباط المنيا بين داعش والإخوان"

 


الكتاب: أيمن عريان، الدم والنار: تُراث أقباط المنيا بين داعش والإخوان (معهد IDS، جامعة ساكس البريطانية: القاهرة 2020). الكتاب صادر في جزئين. وهو من تقديم د. ماريز تادرس أستاذ الدراسات والتنمية بجامعة ساسكس، المملكة المتحدة.

يُعتبر هذا الكتاب -مثلما تُشير مُقَدِمَته- باكورة سلسلة من الكتب التي تهدف إلى توثيق تاريخ الأقباط المُعاصر من خلال التراث الشعبي والعلمانيين والأفراد والمجتمعات المُهمشة. هو يبتعد عن التوثيق المُعتاد من خلال القيادات الكنيسة التي عادة ما تكون مُتحفظة وتحاول استخدام تعبيرات تحقق توازن أكثر مما تُعبر عن حقيقة الأمور.

جزئي هذا الكتاب مخصصان لتراث أقباط المنيا فقط. حيث تضم المنيا -بجانب مُحافظة أسيوط- أكبر تعداد من الأقباط مقارنة بالمُحافظات الأخرى. وقد شهدت أكبر عدد من العمليات الإرهابية والأحداث الطائفية الموجهة ضد الأقباط منذ التسعينيات. وبالرغم من أن هذا الكتاب يُرصد تراث الدم الذي أصاب أقباط المنيا من خلال تتبع القصص والروايات والمشاركين في الأحداث على أرض الواقع، إلا أنه يُعتبر في نفس الوقت عملًا صحفيًا استقصائيا متميزًا. كل شيء في الكتاب موثق بدقة، سواء بتقارير أو أرقام أو صور حيث يحتوي الكتاب على ملاحق خاصة بالصور والوثائق.

الباب الأول في الجزء الأول من الكتاب يغطي مسألة التاريخ الشفهي القديم للأقباط، ويُركز على قضية شهداء الأقباط في ليبيا سواء من خلال ملابسات الحادث، محاولات الأهالي لاستعادة أولادهم المخطوفين، دور حركة شباب ماسبيرو في القضية، ودور الدولة أثناء وبعد الأزمة. كما يُغطي أيضًا المظاهرات والمشكلة التي نشبت من الأهالي ضد بناء الكنيسة في المنيا وانتهاء الأمر بالاتفاق على بناء الكنيسة في جلسة صُلح عرفية.

أما الباب الثاني في الجزء الأول فهو يُغطي الأحداث والتخريب الذي حدث في بني مزار (2013) للكنائس المعمدانية والانجيلية والارثوذكسية بالإضافة لسرقة ممتلكات الأقباط. ويسرد قوائم أرقامًا دقيقة للخسائر العينية والمادية. ويرصد كذلك أحداث مركز ملوي (في نفس اليوم والسنة) والتي أسفرت عن نهب وتكسير محلات المسيحيين وحرق الكنيستين الإنجيلية والكاثوليكية ومحاولة ضرب المطرانية الأرثوذكسية وانتهاءً بسقوط قتلى من الاقباط.

الباب الأول من الجزء الثاني فهو يرصد أحداث قرية دلجا سواء قبل 2013 أو ما بعدها، وفي الباب الثاني يرصد أحداث دير مواس في 2013 وما بعدها.

يرصد الكاتب كل هذه الأحداث من خلال شهود العياد، المشاركون في الأحداث، التقارير الرسمية، ومحاضر الشرطة. وهو يَعْمد إلى مقارنة الشهادات مع الحوادث والتقارير للوصول لأقرب نقطة من الحقيقة، والتي تكون غالبًا هي الحقيقة نفسها. يكشف أيضًا الرصد، ولو بصورة غير متعمدة، البنية الاجتماعية والفكرية لهذا الجزء من صعيد مصر. حيث الثقافة في أدانها في وسط القرى والمدن الصغيرة. مما يجعل القبلية والطائفية هي المُحرك الرئيس لأي حدث. ونستشف بسهولة كيف سيطرت أفكار التيارات المتطرفة على التفكير الشعبي دون أي مجهود يُذكر، حيث يُمكن لهؤلاء تحريك الجموع بكل يُسر ضد بناء كنيسة أو لتحقيق أي غرض كان.

تكشف أيضًا الأحداث عن التفكير الأمني في تلك المنطقة في ذلك الوقت، حيث هناك تقاعس دائم في الاستجابة سواء للنجدة أو حتى تحرير المحاضر وفي بعض الأحيان يكشف هذا التقاعس عن تواطئ متعمد. أيضًا الجلسات العُرفية تعلو على صوت القانون غير الفعال، وعادة تنتهي هذه الجلسات لمصلحة المُعتدي وليس المُعتدى عليه.

الكتاب يفوق التوقعات في طريقة الاستقصاء والرصد وتقييم المعلومات، والكتاب أيمن عريان يكشف عن شخصية مسؤولة تُدرك تمامًا أبعاد ما تفعله، وتنقل الحقائق المُستخلصة من بين مئات الشهادات وآلاف التقارير والوثائق بكل دقة وحيادية. وهو يكتب بلغة عربية مُتقنة وغير معقدة، ويرصد بسلاسة الأحداث والشهادات. لكن ما يفتقده هذا العمل، هو رصد للفترة السابقة لعام 2013 خصوصًا مرحلة التسعينيات التي كُثفت فيها العمليات الإرهابية والاعتداء على الأقباط بدعم وتحريض من الجماعات الإسلامية والجهادية.

هذا الكتاب يجب أن يقرأه كل مهتم بالشأن القبطي المُعاصر، وكل راغب في معرفة الحقائق بعيدًا عن التصريحات الرسمية أو بيانات الاستهلاك الإعلامي.

وفي النهاية كل الشكر للكاتب القدير أيمن عريان ود. ماريز تادرس ومعهد التنمية IDS بجامعة ساسكس بالمملكة المتحدة.

 

 

تعليقات

  1. الاخ الباحث القدير الاستاذ مينا: هناك كاتب صغير غير اكاديمى يكتب فى سخريه وعدم احترافيه اراه على السوشيال ميديا له نفس الاسم واتمنى الايكون هو ايمن عريان كاره البابا شنوده وبعض الاباء ولو كان هو ايمن عريان الذى اعرفه فان مستوى دراساتك وابحاثك العميقه ستتاذى كثيرا باضافته. مع محبتى واحترامى لك.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لحن آجيوس إستين (أوو كيريوس ميتاسو)

  ملحوظة لقراءة الكتابة القبطية يجب تحميل هذا ال Font (إضغط هنا) يُرجح أن الألحان الكنسية نشأت مع الكنيسة نشاة الكنيسة نفسها، وتنوعت الألحان بحسب التراث الثقافي والحضاري الذي نشأت فيه كل كنيسة محلية. وتعتبر الأحان الكنسية هي جزء لا يتجزأ من العبادة، فهي كما يشير القديس باسيليوس: إن الترنيم هو هدوء النفس ومسرة الروح، يسكن الأمواج ويسكت عواصف حركات قلوبنا.

الطقس القبطي وتطور القداسات الثلاثة

[محاضرة ضمن مادة الكنيسة القبطية التي أدرسها بكلية اللاهوت الأسقفية] الطقس الديني هو مجموعة أفعال وتصرفات رمزية يستخدم فيها الإنسان جسده (عن طريق حركات معينة أو إرتداء زي معين أو ترديد كلمات معينة) لكي يُجسد أفكاره ومفاهيمه الدينية، ويُعبر عن علاقته بالقوى الفائقة التي يعبدها، مع الوقت يصير الطقس نمطًا سلوكيًا وجزءًا اصليلآ من العبادة الدينية، فمن خلال الطقس الديني يعيد الإنسان إحياء وتعيين تجربة مقدسة هي تجربة/خبرة تفاعله/تلاقيه مع الله من هنا فالطقس الديني يحتوى على أمرين: الرمزية والسلوك الإجتماعي.  والطقس الديني الجماعي (مثل ليتورجيا القداس في الكنيسة القبطية) يعزز من الإحساس بالشركة والوحدة داخل الجماعة، فالأفراد يقومون بعمل واحد معًا، وبالتالي فهو يعبر بصورة حية عن مفهوم الكنيسة ووحدتها. والطقس الديني في أساسه ليس غاية لذاته بل وسيلة للتعبير عن الغاية: العلاقة مع الله/ الإيمان؛ وينفصل الطقس عن تلك الغاية، حينما تتحول الممارسة الدينية إلى غاية في ذاتها.

هل كان المسيحيون الأوائل أكثر إيمانًا وقداسة منا اليوم؟

  عزيزي، أنت تؤمن أن مسيحيو الماضي قد وُهبُوا إيمانًا وقداسة فائقين، فقد عَبَرْوا من بوتقةِ الاضطهاد العنيف والالام التي تتجاوز عتبة التحمل لمن هم في العصر الحديث. كما أنك تؤمن أن القديسين والشهداء الأوائل، ونُساك الصحراء هم نموذج لا يُمكن لنا نحن المؤمنين المعاصرين تحقيقه. ها أنت تأبى أن تترك حنين الماضي، أو أن تُقْدِمُ على الفحصِ المتأني للمشهد الإيماني المعاصر، حتى تكتشف ذلك النسيج المعقد للحاضر، الذي يتحدى هذه المقارنات السهلة.