التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أن تحيا في تلك البقعة من العالم


إلى صديقي العزيز

ذلك الالم الذي يدمينا...
تلك الخفقات القاسية لقلب محتضر...

ها قد مات الشغف... وانتفى المعنى...
ما الحياة؟ وما الموجود؟...
هل الإجابة هي في ذلك المسعي الدائم نحو
شغف ما؟!
...

أن نُغيّرَ العالم؟!... أن نُصْبِحُ أساطيرًا خالدةً؟!

ذلك السباق الجامح أن نكون قبل أن نفنى...
السباق الذي لم ولن ننتصر أبدا فيه...
كل شئ هو وفق مقدرات رسمت وخططت منذ أزل.
لكننا لا نعي الدرس أبدًا... بل نظل كذلك الطير الهائم الذي يثق أنه يوما ما سيصل إلي مستقر نهائي لا إرتحال منه...
لكن إرتحال الطائر هو إرتحال أبدي...
إرتحال بلا منتهى...
رحلة عبثية من الإنطلاق والعودة إلى ذات مكان العام السابق...
خطوط سير مرسومة بكل تفصيلاتها لا حياد عنها...
تبدأ وتنتهي من حيث ابتدأت...
هكذا نحن...
نخوض نفس الإرتحال لكننا لا ندرك ذلك إلا في هزيع أخير...
أو ربما لا ندركه أبدًا...
فنحن حمقى...
عميان..
أسرى اسطورتنا الذاتية... وشغفنا البائس الذي أرتوى بسذاجة طفولتنا حتى ثمل...
نحن سجناء أوهامنا المريضة...
لكن الأساطير لا تتحقق في هذه الحياة... هي فقط لتكتب وتروى، لا أن تكون حقيقة واقعة...

لا مكان للشغف هنا...

"هنا القاهرة"..."هنا مصر"... هذا مكان للموتى... وليس أرضًا للأحياء
لكننا لا نصدق هذا... فنصير ضحايا أنفسنا قبل أن نكون ضحايا مقدرات الحياة.
أنها تلك الرحلة...
التي تبدأ وتنتهي حيث مهدها...
لذا يا صديقي.... استمع إلى...

عليك ان تستسلم لمقدراتك...
لا تحاول ان تكون ما ترنو إليه... فلن تكونه...

أو أن تسعى نحو شغف مراهقتك البائس...
مقدراتك ان تكون لاشئ... لا أحد...
ان تموت في بقعة منزوية...
يرثونك... يحزنون عليك قليلا... ويبكونك...
يكتبون الاشعار عنك مدة يومين على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم ينسونك...
يعود الرجال الي اعمالهم اليومية... النساء الي التململ... ويعود الاطفال للعب والبكاء...
هكذا انت...
هكذا كلنا...
هذه مقدراتك...
حينما ظننت أنك اوشكت على اختطاف احلامك... أن ترى شغفك متجسدًا كإمرأة أحلامك،
تطعنك الحياة الطعنة الاخيرة...
تسحقك.... تفتت عظامك الي الف شظية وشظية...
وحينما تخبرهم... يندهشون... يضحكون...
يباركون... يصافحك الرجال، وتزغرد النساء...
يا للروعة... ها قد صرت مثلهم او مثل ما يطمحون اليه... هكذا يظنون...
فقد انتصرت مقدراتك...
لن يتفهمونك...
كم انت احمق...
اظننت انك قادر ان تعبث مع مقدراتك؟ ان تحطمها وتتجاوزها؟
ها قد اجبرتك الحياة ان تنكسر...
ان تنذوي..
ان تصير شذرات عدمية لرجل بائس..

فيا صديقي لا تبتأس... فهذا واقعنا وعلينا أن نتقبله...

دمتم ودمنا إلى غير مآل.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أفكار متناثرة حول محاورة القمص مكاري القمص تادرس الأخيرة عن الثالوث

  "يجب عليك أن تتخلى عن كل شيء، نيو. الخوف، الشك، وعدم التصديق. حرر عقلك." (مورفيوس، ذا ماتريكس 1999) " ا لعالم يتغير بمثالِك، لا برأيك." (باولو كويلهو، حساب منصة اكس الشخصي 2019) تداولت وسائل التواصل الاجتماعي لقاء بين محاور غير مسيحي والقمص مكاري القمص تادرس عن الثالوث والوحدانية في اللاهوت المسيحي. تم الاتصال بالقمص مكاري على حين غرة ودُونَ توقع منه؛ إلا أن الأخير تمكن من تقديم إجاباته بصورة لاقت إعجاب المتابعين، وشهدت له بالتفوق. كشف هذا اللقاء -ومحتويات تلك القناة ومثيلاتها بشكل عام- عن الحالة الذهنية لهذه النوعية من المحاورين، والتي يُمكن تفكيك بعض سماتها هكذا: 1. العقلية الذرية: أزمة التعامل مع الكليات عرَّف المستشرق الإسكتلندي هاميلتون جيب (1895-1971) مفهوم "العقل الذري atomistic mind " بأنه عقل يتسم بالتجزئة والتركيز على الجزئيات الصغيرة مع عجز واضح عن بناء الكليات أو الرؤى الشاملة. هذه العقلية تعجز عن الربط بين التفاصيل في إطار منظومة متكاملة، مما يؤدي إلى إنتاج تفكير مفكك غير قادر على فهم السياقات الكلية أو الاتجاهات الكبرى. ويصف المفكر ...

حياة باي والايمان بالله

  في العام 2010 – وبحسب جريدة ستار فونيكس الكندية- كتب باراك أوباما رسالة لمارتل يصف فيها رواية "حياة باي" قائلاً: "انها إثبات رائع لـ[وجود] لله." لم يكن اوباما مخطئًا، ففي توطئة الرواية كتب مارتل هذه الكلمات على لسان عجوز هندي في مقهى في بلدة بونديتشيري: "لدي قصة ستجعلك تؤمن بالله."   في الواقع إن الرواية لا تدور حول إثبات وجود الله إنما تدور حول "إعادة اكتشاف الإيمان."

هل كان المسيحيون الأوائل أكثر إيمانًا وقداسة منا اليوم؟

  عزيزي، أنت تؤمن أن مسيحيو الماضي قد وُهبُوا إيمانًا وقداسة فائقين، فقد عَبَرْوا من بوتقةِ الاضطهاد العنيف والالام التي تتجاوز عتبة التحمل لمن هم في العصر الحديث. كما أنك تؤمن أن القديسين والشهداء الأوائل، ونُساك الصحراء هم نموذج لا يُمكن لنا نحن المؤمنين المعاصرين تحقيقه. ها أنت تأبى أن تترك حنين الماضي، أو أن تُقْدِمُ على الفحصِ المتأني للمشهد الإيماني المعاصر، حتى تكتشف ذلك النسيج المعقد للحاضر، الذي يتحدى هذه المقارنات السهلة.