تي. اي.
بولارد[2]
ترجمة عماد عاطف
[تم
حذف تمهيد هذا المقال، لمن يرغب في الإطلاع على المقال كامل مترجم يمكنه الدخول
الي هذا الرابط]
(هذا المقال يناقش موضوع "اللوغوس" في إنجيل يوحنا، وهل هو ناتج
عن تأثير هيليني أم هو إمتداد للفكر العبراني)
إن أهمية مفهوم اللوغوس و الذي يستخدمة القديس يوحنا في
مقدمة انجيله (1-18)، بالنسبة للصياغة الخريستولوجية اللاحقة بالكاد يُبالغ في
تقديره، على الرغم من ذلك كما يقول ج. ل. برستيج G. L. Prestige[4] "ان عقيدة اللوغوس، كما تظهر أهميتها للاهوت، تأوي
مخاطر مميته في حضنها". سوف تتضح ماهية هذه المخاطر في سياق دراستنا هذه، في
هذه المرحلة يجب طرح هذه الإسئلة: هل للقديس يوحنا "عقيدة للوغوس"؟، ما
هو مضمون "مفهوم اللوغوس" عنده؟، و لماذا اختار مصطلح اللوغوس كوسيلة
لتقديم انجيله عن يسوع المسيح؟.
يُجمع المُفسرون على التأكيد على أن مفهوم اللوغوس، أو
بالآحرى المفاهيم المختلفة للوغوس كانت متداولة في العالم اليوناني- الروماني في
القرن الأول الميلادي، و بذلك فهذا اللوغوس يُعتبر نقطة مناسبة للتلاقي، فيستطيع
الانجيلي من خلاله أن يستودع انجيله. فإستخدامه للوغوس كان كنقطة للتلاقي بين
استخدامه لهذا المصطلح في المقدمة فقط (بدون ان يستخدمة مره أخرى) وبين هدف إنجيله
في كلماته الختامية حيث يقول أن الهدف من الانجيل "لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح
ابن الله، و لكي تكون لكم إذا آمنتم حياه باسمه" (31:20).[5]
فالمفهوم الخريستولوجي المتكرر في انجيل يوحنا ليس هو اللوغوس
و لكنه المسيح، ابن الله، "فالدور الخلاصي التاريخي للابن المتجسد له قوة
حيوية ، بينما مفهوم اللوغوس بالكاد يصلح للتعبير ، في الواقع ان المؤلف (يوحنا)
أسقط مصطلح اللوغوس حتى قبل أن تنتهي المقدمة، ليوضح أن مفهوم اللوغوس لا يقدر أن
يوضح بما فيه الكفايه ما أراد أن يقوله عن يسوع"[6].
إن إنتشار المفاهيم المختلفة للوغوس في العالم الهيليني
في القرن الأول الميلادي، مع التفسيرات المختلفة التي اُعطيت لهذا المفهوم من قِبَل
الغنوسيين و الآباء الأوليين، تجعل من فحص معنى هذا المصطلح بالنسبة للقديس يوحنا
أمراً هاماً، و الذي بقدر ما نعرف هو أول من قام بإستخدام هذا اللقب ليسوع المسيح. لقد تم الأستنتاج في
الدراسات المُتعلقة بيوحنا في القرن الماضي أن جذور مفهوم اللوغوس هو تلك التكهنات
التي كانت سائدة في القرون الأولى للمسيحية بل و حتى القرون اللاحقة[7].
لزمن طويل كان الأفتراض السائد هو أن الانجيل الرابع هو
أكثر كتابات العهد الجديد"هيلينيةً"، وهو ذو إتصال قليل أو معدوم بفلسطين
و التي دارت بها أحداث الانجيل[8]. لكن
أخيراً، و نتيجةً لإكتشافات مخطوطات البحر الميت و تشابهها الملحوظ مع الانجيل
الرابع، حدث تركيز متزايد على البيئة الفلسطينية اليهودية التي يستند عليها الفكر
و التقليد اليوحناوي[9].
فإذا كان الفكر اليوحناوي له جذوره في التربة الفلسطينية و يرتكز على التقليد
الفلسطيني-اليهودي الذي نشأ قبل سقوط أورشاليم في 70م[10]،
فيكون إذًا من المعقول أن يكون المكان الأول الذي نبحث فيه عن مفهوم اللوغوس عند
يوحنا هو نفس تلك البيئة (أي البيئة اليهودية-الفلسطينية).
هناك عدد كبير من الباحثين الذين أكدوا على جذور عقيدة (اللوغوس)،
موجودة في العهد القديم و أن جذرها الرئيسي هو "كلمة يهوه" debhar Yahweh ، كلمة الله الخالقة و الكاشفة، و التي من خلالها خُلقت
السموات و الأرض و التي أوحت الأنبياء.[11] لقد ركز بيدرسن Pedersen على أن المفهوم العبراني "للكلمة"
dabhar هو ديناميكي أكثر منه ثابت.[12] تطور
هذا الفهم عن طريق بومن Boman[13]، ماكنيكول Macnicol[14] و نايت Knight[15] و آخرين. يقول ماكنيكول Macnicol أنه في الفكر العبراني "الكلمة الحقيقية هي كلٍ من
القول و الفعل"[16]،
فكلمة الله "هي الله ذاته في فعله"، فالكلمة الفعالة "هي قوية
بالتناسب، فهذه الكلمة هي كلمة الله ذاته، التي ينطقها القادر على كل شئ، و لذلك فهي
محدده لتّكمل الذي يشاءه"[17].
يشير جريلمير [18] Grillmeier و دود Dodd[19]، بالإضافة إلى آخرين سبقوهم[20]،
بشكل صحيح أن بالإضافة إلى فكرة العهد القديم عن "كلمة يهوه"، فهناك
مفهوم آخر للعهد القديم يرتبط ارتباطاً وثيقاً يجب يؤخذ بالأعتبار و هو مفهوم
الحكمة (الصوفيا)
، على الرغم
من أن "الحكمة" لا يُقال أبداً
أنها "كلمة يهوه."[21]
"فحكمة" العهد القديم و "لوغوس"
يوحنا لهما العديد من الملامح المشتركة. فكلاهما كائن في البدئ (الأمثال 22:8، الجامعة
24، يوحنا 1:1، قارن تكوين 1:1)[22]،
و هما يسكنان مع الله (الجامعة 24، 4 السبيعينة، أمثال 23:8-25، 30). العمل في
العالم هو أمر مشترك بينهم، على الرغم من
أن التركيز عليه في الأمثال و الجامعة هوأكثر منه في يوحنا 3:1، 10. والحكمة و
اللوغوس يأتيتان للبشر (الجامعة 24: 7-22 السبعينية، الأمثال 31:8) و "يقيما
خيمتهما/ يسكنان" معهم (الجامعة 8:24 السبعينية – يوحنا 14:1). التشابه إذَا بين
مقدمة يوحنا، أمثال 8 و جامعة 24 هو شديد للغاية، حتى إننا نستطيع أن نقول أن هناك
اعتماد أدبي.[23]
يقترح جريلمير Grillmeier أن القديس يوحنا قد تحاشى استخدام كلمة
"الحكمة" بسبب أن نوعها في كلٍ من اللغة اليونانية و العبرية
مؤنث، و مثل ذلك قد يؤدي إلى
تكهنات غنوسية، على الرغم من أن ليس هناك دليلاً على أنه بحلول أواخر القرن الأول
الميلادي (و هو أكثر التواريخ تأخراً لكتابة انجيل يوحنا)كانت مقترحات غنوسية
أولية عن الذكر-الأنثى و التي سوف تصبح سمة بارزة للنظام الغنوسي المُعقد الذي سوف
يهاجمه ايرناؤس و هيبوليتس و ترتليان في القرن التالي.
هناك أيضًا بعض المحاولات لربط اللوغوس اليوحناوي
بالمبدأ الراباني اليهودي: الميمرا memra
[24]، و التي سوف تستخدم كتورية إجلالية لأسم الله. على
الرغم من أنه لا يجب أن يُهمل هذا الاحتمال كنظير واضح في الفكر اليهودي، لكن قلة
الأدلة في تلك اليهودية المُعاصرة لانجيل يوحنا يجعل أي حجة متعلقة بإعتماد انجيل
يوحنا علي هذا المبدأ هي حجة ضعيفة جدًا.
الإشارة السابق ذكرها والمُتعلقة بالتشابه الشديد بين
المصطلحات و أشكال الفكر بين مخطوطات البحر الميت و الكتابات اليوحناوية، قادت هذه
العديد من الباحثين كي يروا في اليهودية الآسينية "بيئة يهودية قديمة
أصيلة"[25]
و "مناخ ايدلوجي"[26]
للفكر اليوحناوي. فهناك تشابه ملحوظ بين يوحنا 3:1 و 11:6 The Manual of Discipline، و هي الفقرة التي نراها في
مواضع أخرى في الدليل ذاته و في تراتيل الشكر Hymns of Thanksgiving[27]: "فكل شئ يأتي ليمر بعلمه [الله]، فهو مؤسس
كل شئ بتصميمه و بدونه لا يكون أي شئ"[28]
يصرح براونلي Brownlee أن هذا "هو مدخل عقيدة اللوغوس"[29]، ويشير
كولمان Cullmann أن هنا "الفكر الإلهي يظهر كوسيط للخلق"[30]،
بينما يقول ريكي Reicke أن "ما
يدعوه النص القمراني "علم" أو
"فكر" الله هو في الواقع عقله المبدع أو بشكل أكثر نفس ما يدعوه الانجيل
الرابع لوغوس (أي كلمة) الله.[31] التشابه
شديد القرب ليكون غير مقصود، و من الجائز أن نقول كما يقول جريلمير Grillmeier [32] عن "إعتماد أدبي" لمقدمة الانجيل على أمثال 8 و جامعة 24، يبدو
أن هناك مبرر أكثر للحديث عن إعتماد أدبي ليوحنا 3:1 على هذه الترتيلة التي أصبحت
الفقرة الختامية لنص The Manual of Discipline. بالإضافة إلى ذلك، فإذا كان –كما يقترح
جريلمير Greillmeier[33]- أن القديس يوحنا قد تفادى عن قصد مصطلح
صوفيا (حكمة)،
من المحتمل أيضا أنه تفادى عمداً المصطلح اليوناني المساوي للكلمة العبرية
(معرفة) لأنها بالفعل كانت
مُستخدمة في الدوائر الغنوسية. و من المؤكد أن مثل هذا التفادي هو مقصود فبينما
استخدم القديس يوحنا فعل
(عرف) أكثر من أي كاتب آخر من كتاب العهد
الجديد، فإنه لم يستخدم أبداً الأسم
(معرفة).
عند فحص خلفية و جذور مفهوم اللوغوس عند القديس
يوحنا، يظهر أن التأثير المحتمل "لصياغات العهد الجديد و الأفكار التي تشكلت
قبله"[34]
لا يجب إغفاله. ففي باقي العهد الجديد و خصوصاً في أعمال الرسل و رسائل بولس، غالباً
تحمل كلمة اللوغوس
معنى
"الرسالة"، على سبيل المثال: رسالة الانجيل (أعمال 25:8، 1 تسالونيكي
6:1، و أماكن أخرى)[35]. و
بالنسبة للقديس يوحنا، المضمون الرئيسي للرسالة هو يسوع المسيح نفسه، فهو ذاته هو
الرسالة، الرسالة صارت جسداً. من المحتمل أن نرى المقدمة الموجودة في مطلع يوحنا و
حتى الرسالة الاولى ليوحنا مرحلة وسيطة بين إستخدام اللوغوس
خارج الكتابات اليوحناوية، و التسميه اليوحناوية
للمسيح نفسه على أنه اللوغوس، 1 يوحنا 1:1
"كلمة الحياة" و الذي "شاهدناه، و لمسته أيدينا"
(1:1)، لقد "أُظهرت" و "رأيناه" (2:1)، في 5:1 هذه الكلمة
اللوغوس
هي متساوية مع
(الرسلة).
و لا واحد من هذه المفاهيم –الكلمة، الحكمة و المعرفة-
في إستخدامها السابق للاستخدام اليوحناوي كانت مؤقنمة hypostasised أو مشخصنة personalized على الرغم من أن في الأدب الحكمي، تُشخصن الحكمة في
الغالب (أمثال 8، الجامعة 24)، كما أيضاً هو اللوغوس في حكمة سليمان (15:18)[36].
يحاول س. ه. دودC. H. Dodd أن "يفسر كل عقيدة مقدمة انجيل يوحنا"[37]،
مُجادلاً أنه من الهام أن ننظر وراء مفاهيم "كلمة يهوه" و "الحكمة"
إلى مفهوم "اللوغوس" الموجود في الفلسفة اليهودية التوفيقية لفيلو
السكندري. و يستنتج أن "جوهر عقيدة اللوغوس الموجودة طوال الانجيل تتشابه مع
تلك التي لفيلو .... ومع ذلك التصور العبراني
لكلمة الله"[38].
قليلاً من المفسرين على استعداد الآن أن يتبعوا تشديد دود Dodd على الخلفية الفيلونية (اي التي ترجع لفيلو) لإنجيل
يوحنا، بينما يرى الغالبية أن محاولة تفسير عقيدة القديس يوحنا فيما يتعلق
باللوغوس بمصطلحات خارج الاستخدام اليوحناوي يتضمن على الأقل أن الانجيلي يفتقر لأي
أصالة. فالقديس يوحنايجب أن يُدَرك على أنه "مفكر فريد sui generis، فهو يقف فريداً و وحيداً ليس فقط في العالم
القديم، لكن أيضاً في الكنيسة المبكرة"[39].
فهو "شخص له أصالته"[40].
فلا يوجد شخص مُطلع على كتابات فيلو يفشل في أن يُلاحظ التشابه مع مقدمة انجيل يوحنا،
لكن هذه التشابهات يُمكن أن يُفسر على أنه ناتج عن الأعتماد المشترك بين فيلو و
انجيل يوحنا على العهد القديم. "ففيما يتعلق بمفهوم اللوغوس، كلاهما يعتمد
على الأدب الحكمي للعهد القديم"[41].
فإستخدام يوحنا لمفهوم اللوغوس في المقدمة له نقط تلاقي
بينه و بين العديد من أشكال الأفكار المعاصرة له، و لكن من الواضح أنه "لا
يحاول أن يجعل نفسه في تماشي مع العالم المُحيط، لكنه يجعل العالم المحيط يفهم شخص
يسوع ذاته عن طريق حديثه للعالم بلغته التي يفهمها."[42]
فأياً كان معنى اللوغوس بالنسبة ليوحنا فهو
يستخدمه فقط لكي يؤسس تلاقي بينه و بين قرائه. فحالما يربط بين اللوغوس الذي صار
جسداً مع "الابن الوحيد" في (14:1)، يطرح جانبًا بعد ذلك "اللوجوس"
و لا يستخدمه مره أخرى أبداً. و هي الحقيقة -التي في حد ذاتها- يجب أن تكون كافيه
لنتجنب البحث في مقدمة انجيل يوحنا عن عقيدة متطورة للوغوس و التي تعكس الأشكال
المختلفة للأفكار المتُعلقة باللوغوس في عصره. فإذا كان هؤلاء الباحثين الذين
يركزون على حقيقة يهودية الانجيل و الخاصية الفلسطينية-اليهودية للتقليد اليوحناوي
على صواب، يتضح أنه من غير الضروري و غير الحكيم أن ننظر خلف فلسطين اليهودية لكي
نجد الخلفية اللوغوس و الذي يلعب دوراً محدوداً في نص إنجيل يوحنا.
على الرغم أن المقدمة من الممكن أن تقف وحدها[43]،
فمن الجلي أن القديس يوحنا مهتم بيسوع المسيح، ابن الله أكثر بكثير من اللوغوس ، و
أنه أراد أن تُفسر مقدمة انجيله في ضوء بقية الانجيل. أو، لنطرحها بطريقة أكثر
تحديداً، لقد أراد أن يُفسر اللوغوس الخاص بمقدمة إنجيله على ضوء يسوع المسيح، ابن
الله، الذي كانت خدمته الأرضية هي الموضوع الرئيسي للانجيل. فموضوع الانجيل هو
يسوع المسيح، وليس مبدأ اللوغوس. لذا، فعلى الرغم أننا أكدنا على الخلفية
الفلسطينية- اليهودية للفكر اليوحناوي ينطبق على مفهوم اللوغوس بقدر ما ينطبق على
بقية الانجيل، فالسؤال حول معنى المفهوم المُتعلق باللوغوس للقديس يوحنا هو في
النهاية ذو أهمية ثانوية، و من الممكن التأكيد على أنه في الواقع لم يكن لدى القديس
يوحنا أي عقيدة متعلقة باللوغوس.[44]
إنه أمر بالغ الصعوبة، إن لم يكن مستحيلاً، أن نقرر في
أية نقطة تحديداً في المقدمة، بدأ القديس يوحنا التفكير في اللوغوس المتجسد يسوع
المسيح، أي في أية نقطة انتقل يوحنا من اللوغوس الموجود مُسبقاً إلى يسوع التاريخي؟.
يرى سيرافن دي اوسيخو Serafin de Ausejo[45] أنه طوال المقدمة، فاللوغوس يعني
"الكلمة-صار-جسداً"، و أن كل الترنيمة تُشير ليسوع المسيح. على الرغم من
ذلك، ففي ضوء تركيز القديس يوحنا على أن يسوع هو ابن الله، يجب أن يُتفق على أن من
البداية، يضع يوحنا يسوع المسيح في الاعتبار. والمقدمة، و التي من الممكن أن
تُقرأ كفلسفة هيلينية، أو كميستيكية
رابينية، من الممكن ايضًا أن تُقرأ كتاريخ... فاللوغوس موجود، لكنه غير معروف، و غامض
بعيداً عن شخص يسوع التاريخي.[46] فالمنظور
اليوحناوي -الذي يعتبر مفهوم الوغوس أقل أهمية من مفهوم الابن- لم يُفهم من قبل بعض الكتاب المسيحيين الأوائل
أو الغنوسيين، الذين ضخموا مفهوم اللوغوس ليصير المفهوم الرئيسي لتفكيرهم الديني.
البعض ملأ المفهوم بمحتوى التفكير اليوناني الفلسفي السائد (الرواقية والأفلاطونية
المحدثة)، البعض ملأها بمحتوى من النظام التوفيقي لفيلو، بينما البعض فسره
بمصطلحات اللاهوت اليهودي للكلمة و الحكمة. و بذلك، آخذين عقيدة متطورة تتعلق
باللوغوس، قدم كل واحد من هؤلاء الكتاب كلٍ حسب خلفيته، يُفسر بقية الانجيل في ضوء
تفسيره الخاص لمقدمة يوحنا. هكذا، بُنيت رؤى خريستولوجية رائجة على أساس إساءه فهم
غرض يوحنا الأساسي.
توفر المقدمة مُلخص للانجيل، أو بالاحرى فاتحة و التي
فيها تم تعيين المناخ الذي مهد لدراما الانجيل، و لفكرة الإنجيل الرئيسية أن
تُعلن. فاللوغوس أُظهر أنه موجود مُسبقاً قبل الوجود "مع" أو "في
علاقة مع" الله
و أنه هو ذاته "الله"
[47]
فهو كان/ و هو الوسيط لكل أعمال الله بشكل كامل
ad extra. و يمكن إضافة حجة قوية لدعم
فكرة أن يوحنا 3:1أ
كل شئٍ به كان" لها حقل واسع من الإشارات أكثر من الإشارة التقليدية المتُعلقة بالخلق،
فهي تُشير لكل عمل الله بشكل نهائي ad extra، في الخلق،
الإعلان و الخلاص، في إعلان عن الفكرة الرئيسية لوساطة اللوغوس-الابن، و التي سوف تُحدد
لاحقاً في المقدمة على أنه الواسطة:
1-
في الخلق (10:1)
2-
في الإعلان: اللوغوس "هو النور"، طالنور
الحقيقي" (4:1 ،5 ،9)، "مملوء نعمة و حق (14:1)، "النعمة و
الحق" صارا "من خلاله" (جملة يوناني)، فهو "الله الوحيد الذي
في حضن الآب قد أخبر" (18:1)
3-
في الخلاص: لكل من قبلوه و آمنوا باسمه، "أعطاهم
سلطاناً أن يصيروا أطفال الله (12:1-13)، و من ملئه يأخذ المؤمنين "نعمة فوق
نعمة" (16:1)[48].
ل
ذا فالمقدمة تُعلن أوجه الوساطة الثلاثة للوغوس.
فالوساطة في الخلق لا تُذكر ضمن باقي الانجيل، و الذي يتعلق بإعلان الله و فداء
لبشر من خلال يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، من خلال حياته و كلماته، موته و
قيامته.
بالإضافة إلى ذلك، فالمقدمة تُعلن بوضوح أثنتان من
المفارقات الصارخة للإيمان المسيحي: (1) المفارقة الثالوثية للعلاقة بين الآب و
الابن، متمايزان مع ذلك واحداً في وحدة الإلوهية، مفارقة التمايز-في-الوحدانية، و
(2) مفارقة إنسانية و إلوهية يسوع المسيح، الكلمة-الذي-صار-جسداً. كلاً من هذه
المفارقات، مُعلن عنها في المقدمة، أصبح أوضح في هيكل الانجيل نفسه.[49]
ب-
علاقة الابن بالآب
إن انجيل يوحنا هو على وجه الخصوص انجيل "الآب و
الابن"[50].
بقولنا هذا لا ننكر أن أبوه الله و البنوه الإلهية ليسوع تشغل مكانه هامه في رسائل
بولس و الأناجيل الإزائية. على سبيل المثال القول الشهير الموجود بالمصدر Q في متى
27:11 (و ما يوازيه لوقا 22:10) و إستخدام يسوع لكلمة "آبا" Abba في مخاطبته لله[51]
تُظهر أن "الوعي الخاص ببنوة المسيح الإلهيه يكمن في أعمق طبقات التقليد
السينوبتي [الإيزائي] كما هو أيضاً في يوحنا"[52].
على الرغم من ذلك، فالبنوة الإلهية ليسوع أو بالآحرى العلاقة الإلهية بين الآب و
الابن، تم التاكيد عليها بقوة من قبل القديس يوحنا أكثر من أي كاتب من كتاب العهد
الجديد. بالنسبة ليوحنا، فبنوه يسوع هي "فريدة"(
)[53]، وهو
يؤكد بشكلٍ ملائم أن "الكلمة كان الله" (1:1ج)، و أن "الكلمة صار
جسداً" (14:1)، و أن هذا اللوغوس المتجسد هو يسوع المسيح (17،16:1) و هو
"ابن الله الوحيد" (14:1، 18، 16:3، 18 أنظر 1 يوحنا 9:4). لاحقاً في
الانجيل لا يُنكر يسوع أو يُفند التهمة التي تدعي أنه بكونه ابناً لله تعني أنه جعل
نفسه إلهاً
. طوال الانجيل يُلقب يسوع وحده
أنه "الابن"
، هؤلاء
الذين يرحبون به و يؤمنون بأسمه يصيرون "أطفالاً"
لله (12:1). فهو يدعي أنه و الآب واحد (30:5)، و أنه في
الآب و الآب فيه (38:10، 10:14)، و أن من يراه فهو يرى الآب (9:14). وذروة الانجيل
هي بعد القيامة، و للمرة الأولى واحداً من تلاميذه يعترف صراحةً بإلوهية يسوع، فيعلن
توما "ربي و إلهي" (28:20)[54].
فالوجود المُسبق للوجوس مع الله "في البدء"
مُعلن عنه بشكلٍ قاطع في افتتاحية كلمات الانجيل (1:1-2). و الوجود المُسبق ليسوع
المسيح، ابن الله، هو مؤكد عليه صراحةً في الانجيل ذاته (15:1، 30، 58:8، 5:17،
24)، و هي أيضاً ضمناً في مواقع عديدة أخرى في عبارة "آتى" (43:5، 14:6
، 28:7، 39:9، 10:10، 27:11، 46:12، 22:15، 37:18،)، "آتياً من الله"
(46:6، 29:7، 33:9، 27:16، 28، 8:17،)، "قد أُرسل" (17:3، 34، 34،4،
23:5، 24، 30، 36، 37، 29:6، 38، 39، 40، 44، 57، 16:7، 18، 29، 16:8، 18، 26، 29،
42، 4:9، 36:10، 42:11، 44:12، 45، 49، 20:13، 24:14، 21:15، 5:16، 3:17، 8، 18،
21، 23، 25، 21:20).
يتحدث س. ك. باريت C.K.Barrett عن أن بنوه يسوع لها مغزى أنطولوجي و أخلاقي
بالنسبة للقديس يوحنا.[55]
إنه أمر مختلف عليه عما إذا كان القديس يوحنا قد أعطى أى فكرة حول أن طبيعة البنوة
الإلهية هي أنطولوجية، على الرغم أنه من المؤكد أن بالنسبة لقارئ انجيل يوحنا الذي
تغذى بالفلسفة الهيلينية فعبارات الإنجيل المتُعلقة ببنوة المسيح تثير أسئلة
أنطولوجية. و بالنسبة للعقلية التي تغذت بالتفكير العبراني فطبيعة بنوة المسيح
الأخلاقية هي أول إهتماماتها، فالابن الحقيقي هو الذي ينتج أفكار و أفعال والده.[56]هذه
الفكرة بالتأكيد تتلاقى مع التركيز في تعليم القديس يوحنا حول علاقة الآب و الابن.
يسوع يقول "لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئاً إلا ما ينظر الآب يعمل. لأن
مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك. لأن الآب يحب الابن و يريه جميع ما هو يعمله"
(يوحنا 19f:5)، يقول يسوع أنه لا يُنتج فقط
أفكار و أفعال الآب و لكن هو من طبيعته أيضاً "لو عرفتموني لعرفتم أبي أيضاً"
(19:8)، "الذي رآني فقد رأى
الآب" (9:14). لذا فالقديس يوحنا يتضح أنه يرى شيئاً أكثر من الشبه الأخلاقي،
"فيوحنا يبرز معنى البنوة أكثر من الأناجيل الإيزائية، فكلٍ من الشبه
الأخلاقي و الوحدة الجوهرية متضمنان."[57]
وبالرغم من أن يوحنا يؤكد على الوحدة
"الجوهرية"[58]
للابن مع الآب، فلا يوجد وقت يغفل فيه القديس يوحنا التمايز بينهم (بين الآب و
الابن). فالابن أُرسل من الآب، و هو يطيع وصايا أبيه (10:15)، و لا يستطيع أن يفعل
من نفسه شيئاً (19:5-20)، و كلماته التي يقولها ليست كلماته الشخصيه و لكنها لأبيه
(10:14، 24، 8:17)، و أفعاله التي يقوم بها هي أفعال أبيه (10:14). يشدد القديس
يوحنا مراراً و تكراراً أعتماد الابن الكامل على الآب[59]،
إنه يُسجل قول يسوع "أبي أعظم مني" (28:14). لذا فيوحنا لا يُسمح أبدأ
للوحدة الجوهرية أن تمحي التمايز بين الآب و الابن. "تفكير يوحنا به مفارقات،
فهو -على الأرجح- مثله مثلما يجب أن تكون كل الأفكار الخريستولوجية."[60]إن
النقطة المحورية لإنجيله هي علاقة الابن بالآب، الأبدية و الوجود المُسبق، و مع
ذلك هي متجلية لعيون الإيمان في الوجود الأرضي للابن في شخص يسوع المسيح، و هي
العلاقة التي نستطيع فقط أن نصورها في مصطلحات "الإتحاد" unity أو "الوحدة" oneness (30:10)، على الرغم من ذلك فهي تسمح بالتمايز في داخلها.
و هذا هو أول مفارقة في يوحنا –التمايز–في- الوحدة- المُعبر عنه في منتصف الانجيل
في تعبير وجيز لكنه مذهل: "أنا و الآب واحد" (30:10)، و هو التعبير الذي
يلعب دوراً حيوياً في النزاعات الثالوثية بداية من القرن الثالث الميلادي فصاعداً.[61]
لذا فالقديس يوحنا يُظِهر بطريقة أكثر وضوحاً و أكثر صراحةً -من أي من كتاب العهد
الجديد الآخرين- إلوهية يسوع المسيح بما انه الابن الازلي لله و في نفس الوقت
يُعبر عن التمايز بين الابن و الآب.
ت-
إلوهية و إنسانية المسيح
على الرغم من التركيز على إلوهية ابن الله، فإنجيل القديس يوحنا هو
"تاريخ"[62]،
و الذي يروي وجود يسوع المسيح في التاريخ، كلمة الله الذي صار جسداً، الله الذي
صار إنساناً. بالتركيز الشديد على "مجد" ابن الله، فالابن هو بالحقيقة
"رجل حقيقي ... يرى (يوحنا) أنه يمتلك سيكلوجيا بشرية (33:11، 27:12، 27:13).
فمفهوم اللوغوس لم يَمح الصورة الحقيقة لإنسانية المسيح. فحقيقة حياته الأرضية تظهر بجلاء شديد."[63]
الهرطقات الخريستولوجية المبكرة التي نجد لها آدله هي
الدوسيتيه[64]،
و التي ركزت على إلوهية يسوع وقلصت من إنسانيته إلى مجرد ظهورات أو خيالات.[65]
حتى أنه من الواضح أن القديس يوحنا وضع هذه الخريستولوجية الدوسيتيه في اعتباره
أثناء كتابته كلٍ من الانجيل و الرسالة الأولى، يكتب يوحنا "الكلمة صار جسداً
و حل بيننا" (14:1)، و خضع لنفس الآلام و القيود كالبشر. فكل تركيزه على
إلوهية المسيح، و المسيح بالنسبة له هو إنسان (30:1، 29:4: 40:8، 11:9، 16،
33:10)، لقد آمن أنه صار إنساناً "آتياً في الجسد"، وهي الفكرة الرئيسية
في الإيمان المسيحي (1 يوحنا 22:2-23). ورسالة يوحنا هي مُوجهه للعبرانيين، يقول م.
بارت M. Barth "لا
يوجد كتاب آخر في العهد الجديد (بإستثناء الإنجيل الرابع) يضع الإلوهية الحقيقية و
الإنسانية الحقيقية ليسوع المسيح جنباً إلى جنب."[66] فهو اللوغوس-الابن الذي ينتمي بوضوح لدائرة
الإلوهية (كان الكلمة... كان الله" يوحنا 1:1ج)، كما أنه ينتمي أيضاً وبالتساوي
إلى دائرة البشر. هذا الأقتران بين الإلهي و البشري، اللوغوس و الجسد، الله و
الانسان، لم تُعرف أو تحدد في أي مكان قبل القديس يوحنا، إنها ببساطة جزء من
شهادته أن يسوع هو الله-الإنسان الذي من خلال الإيمان به يكون للبشر الحياة
الإلهية. فتحليل و تفسير هذا الأقتران قامت به الكنيسة، و هي المفارقة اليوحناوية
الثانية و التي صارت مركز النزاع حتى مجمع خلقيدونية (451م) و ما بعد ذلك.
ث-
الوسيط
إذا كان المفهوم الرئيسي للانجيل الرابع هو علاقة الآب
والابن، فالفكرة المُكررة هي أن يسوع المسيح بإعتباره ابناً لله هو الوسيط الواحد
و الوحيد بين الله و الانسان، و هي الفكرة التي طورها القديس يوحنا- كما رأينا قبل
ذلك- طوال ثلاث خطوط متمايزة و مع ذلك متكامله.[67]
1-
فيوحنا يضع أعمال الله في المسيح في أوسع إطار ممكن،
فبما أنه اللوغوس، فالمسيح هو وسيط أعمال الله في الخلق. هذه الفكرة بالطبع
ليست بجديدة أو فريدة للقديس يوحنا. فالقديس بولس يصف المسيح عل أنه "بكر كل
خليقة. فإنه فيه خُلق الكل: ما في السماوات و ما في الأرض. ما يُرى و ما لا يُرى،
سواء كان عروشاً أم سيادات أم سلاطين.الكل به و له
قد خُلق. الذي هو قبل كل شئ، و فيه يقوم
الكل" (كولوسي 15:1-17). و كاتب العبرانيين يقول أيضاً أن الله "كلمنا
في هذه الأيام الأخيرة في ابنه .... الذي به أيضاً عمل العالمين" (عبرانيين
2:1). فعمل الخلق لا ينتمي ببساطة للوغوس-الابن ، بل عمل الله "به"
(يوحنا 3:1). فهو الوسيط، ليس
فقط وسيط يقوم بالعمل مع الله، لكنه مرتفع على جميع المادة و لا يستطيع أن يقوم
بعمل بمفرده. فالتركيز على الوساطة يتعارض مع أي مفهوم للديمورج (أي الوسيط
الخالق) demiurge أو كائن ذو مكانه وسيطة intermediary، و هو ما يميز مفهوم اللوغوس عند القديس
يوحنا عنه عند فيلو أو من أي فلسفة يونانية. على الرغم من ذلك فيوحنا يتضح أنه أقل
إهتماماً بالكوزمولوجي (وجود وخلق الكون) عن بولس[68].
فبخلاف اشارة واحدة أو على الأرجح إشارتان للخلق في المقدمة (الإشاره الأولى هي
[10:1] و إحتمالية الإشارة الثانية [3:1]) فلا يوجد أي إشارة إلى الوساطة في الخلق
في الانجيل ذاته "فيوحنا غير مهتم بالكوزمولوجي (الخلق)، فهو لا يفكر في
الخلق لكن في الفداء redemption"[69].
2-
بالنسبة للقديس يوحنا، يسوع المسيح هو الوسيط الوحيد
لعمل الله في إعلانه عن ذاته (17:1، 18، 19:8، 38، 7:14، 9، 25:17). هنا
أيضاً الفكرة ليست بجديدة أو فريدة للقديس يوحنا، إنها ضمنيه طوال العهد الجديد، و
خصوصاً التصريح الواضح في عبرانيين 1:1-2 و في أقوال المصدر Q "لا أحد يعرف الآب إلا
الابن و إلا من كشف الابن له" (متى 27:11، لوقا 22:10)[70]. فبالنسبة
للقديس يوحنا، يسوع هو "نور العالم" (12:8)، "الطريق الحق
الحياة" (6:14)، "الذي رأى" يسوع "رأي الآب" (9:14).
فالفكرة أن يسوع هو إعلان الله الآب، أو أنه الذي من خلاله يكشف الآب ذاته، هو
واضح طوال الانجيل، ف"مجد" الآب يُرى في كل ما يقوله و يفعله الابن.
3-
فوق الكل، يسوع هو الوسيط لعمل الله في خلاص البشر و
تبنيهم في عائلته (12:1). فيوحنا المعمدان يناديه على أنه "حمل الله الذي
يرفع خطية العالم" (29:1)، السامريين ينادوه على أنه "مخلص العالم"
(47:4)، فهو "الابن الوحيد" الذي من خلال حب الآب أعطى الله البشر
"ألا يهلكوا بل أن تكون لهم حياة أبدية" (16:3)، أن "العالم يخلص
من خلاله"
. فإعلان
الآب عن ذاته من خلال الابن له غايته و هي أن البشر ينالوا الحياة الأبدية، أو
الحياة في ملئها" (40:6، 10:10، 28، 3:17، 31:20)، فالخلاص يأتي من خلال
الإيمان بابن الله (12:1، 16:3f، 36ff:9، 38:17، 31:20). هذه الفكرة تتضح بصورة أوضح
في الرسالة الأولى "دم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطيه" (7ff:1)،"فلنا شفيع عند الآب، يسوع المسيح
البار، و هو كفارة
لخطايانا، ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضاً" (1:2-2)،
" أن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به " (9:4-10). مرة
أخرى فالفكرة ليست بجديدة أو فريدة على الاطلاق بالنسبة للقديس يوحنا، و هذا جلىّ
في طوال العهد الجديد و هي في الواقع الفكرة المركزية لرسالته.
إذاً فبالنسبة للقديس يوحنا، إنه الله الواحد الذي يخلق،
و يكشف و يُخلص، أبو يسوع المسيح، ابنه الوحيد، كلمته الذي صار جسداً. الآب يُكمل
كل شي
من خلال الابن
. يؤكد القديس
يوحنا وساطة الابن في الخلق كي يزود الإطار الكوزمولوجي للإعلان الذاتي لله الآب و
خلاص البشرية[71].
مثل القديس بولس، يُركز القديس يوحنا إنتباهه على الخلاص الذي أتمه الله من خلال
يسوع المسيح. و مثل القديس بولس ، يبدأ القديس يوحنا من العمل الوسائطي في الخلاص
(إعادة خلق الانسان و الكون) إلى العمل الوسائطي في الخلق الأساسي.[72]
فالذي في آخر الأيام أصبح وسيط إعلان الآب عن ذاته لخلاص العالم هو الذي كان في
البدء مع الله و هو الوسيط في الخلق لكل شئ، الذي يجدد النظام المخلوق ليس آخر إلا
الذي خلق منذ البدء.
هذا التركيز على الأوجه الثلاث لوساطة ابن الله هو ضروري
هنا لأنه يلعب دوراً هاماً في تفسير انجيل يوحنا من قبل الكنيسة الاولى. فالمشكلة
التي يعرضها انجيل يوحنا للكنيسة في القرون التالية هي المشكلة المُعقدة المُتعلقة
بصياغة عقيدة خاصة بالله و شخص المسيح و التي تُبقي الاتزان الذي يتميز بمفارقة
بين الوحدة الجوهرية للابن مع الله و التمايز بينهم، و الاتزان الذي يتميز
بممفارقة بين إلوهية و إنسانية المسيح، بينما في نفس الوقت تحافظ على المنظور
السليم للأوجه الثلاث لطبيعة وساطة الابن. إلى حدٍ كبير هذا التعقيد من الممكن أن
يُقلل إلى السؤال حول الحفاظ على مفهوم اللوغوس في المنظور اليوحناوي.
[1]هذا المقال هو الفصل الأول من كتابSociety for new testament studies, Monograph series 13: Johannine
Christology & the Early church. by: T. E. Pollard, p.3-22 [المترجم]
[3] إن كمية الكتابات حول المقدمة
و مفهوم اللوغوس ضخم، لدراسة جيدة أنظر R. E. Brown, The Gospel according to St John, New York, 1966, 1,
appendix n. Cf. also Arndt-Gingrich, Lexicon, λόγος
[6] F. V. Filson, 'The Gospel of Life', in Current Issues in New Testament
Interpretation (ed. W. Klassen and G. F. Snyder), London, 1962, pp. 111 ff
[7] Cf. P. H. Menoud, L'evangile de Jean d'
aprec recherches recentes, Neuchatel and Paris, 1947; W. F. Howard, The Fourth
Gospel in Recent Criticism (4th edn. revised by G. K. Barrett), London, 1955.
[8] Another of 'the presuppositions of critical
orthodoxy' which J. A. T. Robinson, ' The New Look on the Fourth Gospel', calls
in question
R. E. Brown, The Gospel according to St John, 1, lix
ff.; ' The Qumran Scrolls and the Johannine Gospels and Epistles', CBQ,xvn
(1955), 559 ff., reprinted in K. Stendahl (ed.), The Scrolls and the New
Testament, New York, 1957, pp. 183 ff.; 'Second Thoughts: the Dead Sea Scrolls
and the New Testament', ExpT, LXXVIII (1966-7), 21 ff.; K. G. Kuhn,
'Johannesevangelium und Qumrantexte', in Neotestamentica et Patristica
(Supplement to NovT, vi), pp. 111 ff.; 'Die in Palastina gefundenen hebraischen
Texte und das N.T.', £77f, XLVII (1950), 192 ff.; L. Mowry, 'The Dead Sea
Scrolls and the Background for the Gospel of John', BA, xvn (1954), 78 ff.; W.
H. Brownlee, 'A Comparison of the Covenanters of the D.S.S. with pre-Christian
Jewish Sects', BA, xm (1950), 71 ff.; F. M. Braun, 4L'arriere-fond judaique du
quatrieme evangile
et la Communaute d'Alliance', RB, LXI (1955), 5ff; Jean le theologien, Paris,
1959, 1, 226 ff.; Millar Burrows, The Dead Sea Scrolls, London, 1955, pp. 338
ff.; More Light on the Dead Sea Scrolls, London, 1958, pp. 123 ff.; M. Black,
'Theological Conceptions in the Dead Sea Scrolls', SEA, XVII-XIX (1953-4), 8°
ff.; W. Grossouw, 'The Dead Sea Scrolls and the New Testament: a Preliminary
Survey', StC, xxvi (1951), 289 ff.; XXVII (1952), 1 ff.; W. F. Albright,
'Recent Discoveries in Palestine and the Gospel of John', in The Background of
the N.T. and its Eschatology (ed. W. D. Davies and D. Daube), Cambridge, 1956,
pp. 153 ff.
[10] Cf. J. A. T. Robinson, 'New Look'; R. D.
Potter, 'Topography and Archaeology in the Fourth Gospel', SE, 1 (1959), 329
ff.; W. F. Albright, ' Recent Discoveries'; A. M. Hunter,' Recent Trends in
Johannine Studies', ExpT, LXXI (1959-60), 164 ff.; C. H. Dodd, Historical
Tradition
[11] T. W. Manson, Studies in the Gospels and
Epistles, p. 118; cf. E. Stauffer, New Testament Theology, London, 1955, pp. 55
ff.
[15] A Biblical Approach to the Doctrine of the
Trinity (SJT Occasional Paper 1), Edinburgh, 1953; From Moses to Paul, London,
1949.
[17] P. 247. Cf. Boman, p. 67. James Barr (The
Semantics of Biblical Language, Oxford, 1961, pp. 129 ff(
ينتقد بيدرسن Pedersen و ماكنيكول Macnicol لمعالجتهم
dabhar. هذا النقد لا يظهر أنه يتطبق على
دراسة ماكينيكول Macinicol عن debhar yahweh، التي تظهر أنها صالحة حتى لو كانت معالجة dabhar ذاتها
مفتوحة للنقد.
[20] E.g. J. Rendell Harris, The Origin of the
Prologue to St John's Gospel, Cambridge, 1917. Cf. also P. Bonnard, La Sagesse
en Personne, annoncee et venue: Jesus-Christ, Paris, 1966, pp. 123
[24] Cf. Strack and Billerbeck, Kommentar zum N.
T. aus Talmud und Midrasch, Munich, 1924, u, 302-33; C.K.Barrett, The Gospel
according to St John, London, 1955, p. 128; R. E. Brown, The Gospel according
to St John, 1, PP- 523 f.
[المترجم]. أنظر هامش رقم 25
[26] O. Cullmann, 'The Significance of the
Qumran Texts for Research into the Beginnings of Christianity', JBL, LXXIV
(1955), 216, reprinted in K. Stendahl (ed.), The Scrolls and the N.T, p. 20
يجب أن نُشير أن سياق هذه الفقرة ليس كوسمولوجياً لكنه أخلاقياً، أنظر
مقالتي
It should be noted that the context of this
passage and of all the echoes of it is not cosmological but ethical; cf. my
article ' Cosmology and the Prologue of the Fourth Gospel', VC, xn (1958),
147-53.
[المترجم]. أنظر هامش رقم 25
[34] أنظر ص 31 [السابق]، يستشهد وصف بولس للمسيح
على أنه "حكمة الله" (1 كورنثوس 24:1)، طصورة الله الغير منظور، بكر كل
خليقة" (كولوسي 15:1).
[38] السابق ص 279، لنقد مُفصل حول حجة دود Dodd أنظر مقالتي The Background of the Fourth Gospel and its
Early Interpretation', ABR, VII (1959), 41 ff لقد كنت ناقد بشده لإصرار دود على
إعتماد يوحنا على مفهوم الحكمة. فإستخدام دود لمفهوم اللوغوس الخاص بفيلو ليوضح
الانجيل يتشابه مع of the Philonic Logos-concept to illuminate
the Gospel is paralleled by H. A. Wolfson, The Philosophy of the Church
Fathers, 2nd ed., Harvard, 1964, 1, 177 ff
[41] Brown, Commentary, p. lviii; cf. R.
McL.Wilson, 'Philo and the Fourth Gospel*, ExpT, LXV (1953-4), 47 ff- F. M.
Braun {Jean le theologien, 11, 298):
"إذا لم يكن فيلو موجوداً
أبداً، من المرجح جداً أن الانجيل الرابع ما كان ليختلف عما هو عليه"
Gf. also A. H. Armstrong and R. A. Markus, Christian
Faith and Greek Philosophy, London, 1960, pp. 19 ff
[42] H. Odeberg, 'Ueber das Johannesevangeliums',
ZST, 1939, quoted by P. H. Menoud, Uevangile de Jean d'apres recherches
recentes, p. 46
[43] من المثير للاعجاب أن مجموعة من الباحثين قد
جادلوا أن خلف المقدمة يكمن ترنيمة كُونت في الدوائر اليوحناوية أو كُرست من
قِبلهم، اُدمجت لتشكل مقدمة انجيل يوحنا.
Gospel. R. E. Brown, Gospel according to St John, pp.
18 f.,
يعدد [رايموند براون] تحليل ثمان باحثين، و يضيف محاولته في إعادة التكوين،
أن الترنيمة قد كونت الأساس للمقدمة لا نشم في ذلك، ما يهمنا هنا هو أن المقدمة
تقف في سياق الانجيل.
[45] 'Esun himno a Cristo el prologo de San Juan', Estudios
Biblicos, xv (1956), 223-77, 381-427. Cf. R. E. Brown, St John, p. 25.
[47] إن اكتشاف قراءة [كلمة يوناني] في مخطوطة
بودمر Bodmer papyri، P66 و P75، جعل الأصالة للقراءة الأصعب شبه مؤكد
[48] لقد ناقشت يوحنا 3:1 و علاقتها بالمقدمة
بالتفصيل في [مقالة] Cosmology and the Prologue of the Fourth
Gospel5, VC, xn (1958), 147-53
و حجتي قد اُخذت و طُورت من قِبل بول لامارشي Paul Lamarche [في
مقالته] 'Le prologue de Jean', RSR, LII (1964), 497
ff., و الذي يقوي حجتي
بأدلة أقوى من السبعينية و انجيل الحقيقة [المنحول] 37.22-24
[49] من الممكن أن يُثار إعتراض حول تعبير [مفارقة]،
و هي الكلمة التي صارت مشتيه فيها فياللاهوت النظامي. فالكلمة الموجودة بالعهد
الجديد [كلمة يوناني] "سر" قد تكون المفضلة، لكن أي محاولة للتصريح
ب"سر" شخص المسيح، تظهر بالنسبة لي أنهارتحتاج استخدام لغة
"المفارقة"، و من ثم فكلمة "مفارقة" يصعب أن تتفادى.
[50] هذا هو عنوان الدراسة الممتازة حول اللاهوت
اليوحناوي و التي نادراً ما تُلاحظ لو. ف.
لوفتهوز W. F. Lofthouse، أنظر ص 13، هامش 2 السابق.
[51] أنظرT. W.
Manson, the Teaching of Jesus, 2nd edn. Cambridge, 1935, PP. 330; J. Jeremias,
the Central Message of the New Testament, London, 1965 PP. 9 ff.
[53] Cf. D. Moody, ' "God's Only Son": the Translation of John iii.
16 in the R.S.V.', JBL, LXXII (1953), 213 ff.; R. E. Brown, St John, pp. i3f.;
G. H. Turner, '6 uios nou 6 dyocirriTos', JTS, xxvn (1926), 113 ff.
[54] من المشوق أن نُشير تتابع
"الاعترافات" المتعلقة بيسوع في الاناجيل: "حمل الله" (29:1،
36)، "المسيا/المسيح" (41:1)، "ابن الله، ملك اسرائيل" (49:1)
عندما يُراد أن تفهم "ابن الله" بنصطلحات ملكية مسيانية، "المعلم
الذي أرسله الله" (2:3)، "النبي" (مُعرفة/ نكرة) (19:4 النبي الذي
كان ينتظره السامرين ؟)، "قدروس الله" (69:6)، "النبي" (40:7
مثل موسى؟)، "ابن الانسان"(38:9)، "ملك اليهود" (19:24)،
"ربي و إلهي" (28:20).
[58] إن استخدام مثل هذا المصطلح من مراحل متأخرة
للتطور الخريستولوجي يجب ألا يُسمح له أنه يحمل أي آثار لمعناها المتأخر. على
الرغم أنه من الصعب أن نتفادى الحديث بمصطلحات مثل "جوهر"،
"جوهري"، "اونطولوجي" ... إلخ، يجب الا نحول يوحنا إلى آب من
آباء القرن الرابع.
"لا يوجد أي عنصر مميز في
الانجيل الرابع أكثر من العرض المتسق و الكوني للمسيح، في حياته و أعماله و أقواله
و في كل نواحي أفعاله، على أنها تعتمد على الآب في كل نقطة (صفحة 90).
[61] Cf. my article, 'The Exegesis of John x. 30
in the Early Trinitarian Controversies', NTS, in (1956-7), 334-49
[62] يُلقب ر. ه.
لايتفوت R. H. Lightfoot هذا الانجيل "تاريخ ابن الله:
(الذي فيه) من يتحدث و يعمل على الأرض هو مازال دائماً بجانب أبيه" (History and Interpretation in the Gospels, London, 1935, p. 224).
"هذا هو حجر الزاوية الذي
يعتمد عليه كل البنية الفكرية اليوحناوية. فيسوع التاريخي المنظور هو المكان في
التاريخ حيث يظهر مجد الله"
[64] "ليس من
الصدفة أن تكون الدوسيتية هي الهرطقة الأولي للمسيحية المبكرة، و هي الوحيدة التي يُرى
بوضوح أنها قد هُجمت من قبل العهد الجديد"
(O. Gullmann,
Salvation in History, London, 1967, p. 91).
[65] "أنظر
كلمات جيروم الظريف "فبينما كان الرسل باقين على الأرض، و بينما كان دم
المسيح يدخن في تربه اليهودية، أكد البعض أن جسد الرب كان شبحاً"
(quoted by E. K. Lee, p. 135(.
[66] ' The Old Testament in Hebrews', in Current Issues in N.
T. Interpretation (ed. W. Klassen and G. F. Snyder), p. 58.
[67] لا يوجد كلمة في انجيل يوحنا تُترجم إلى
"وسيط"، على الرغم من ذلك ففكرة الوساطة ظاهرة طوال الانجيل، أنظر
H. Clavier, 'Mediation in the Fourth Gospel', Bull.
SNTS, no. 1, Cambridge, 1950, pp. n-25.
[68] هل كان اهتمام بولس بالكوزمولوجي يرجع لحقيقة
أنه كان يواجه التكهنات حو "الرئاسات و القوى، ... إلخ"، [هذه] التكهنات
لا تظهر في انجيل يوحنا؟.
يذهب ليقول " من المحتمل أن بعضاً من اصدقائه و قراءة المُتوقعين قد
إنجذبوا لمحاولة فيلو المبتكرة لمصالحة الفلسفة اليونانية في وقته بأسفار موسى
الخمس Pentateuch ، إذاً، يتضح أنه يقول "إذا كنت تريد أن تربط اللوغوس
بإيمانك، من الممكن، لكن عندما تستخدم المصطلح، لاحظ ماذا تقصد به. من الممكن أن تراه في الفصل
الأول لسفر التكوين، حيث البدء. فالله ينطق بالكلمة الخالقة و يُخلق العالم. لكن
الأمر أكثر من ذلك. فهي وسيلة الحياة، إستنارة للبشر. فقط في هذه الأيام اصبحنا
نعرفها. إنها ليست فكرة و لا قوة. إنها ظهرت في شخص بشري. بها نُمنح أن نكون اولاد الله، فلا فيلو و لا الرواقيين قالوا
بذلك. فنحن نراها ، بكل مجد السماء مثل الشاكيناه حولها، في يسوع المسيح، ابن
الله. و بعد ذلك، اسمحوا لنا ألا نزيد حول [موضوع اللوغوس]، لنتأمل مجد الابن.
[70] أنظر النقاش الشيق لجيريمايس Jeremias في (The Central Message of the N.T., pp. 23-5) الذي يدعمه ر.اي. براون R. E. Brown في ('How much did Jesus Know?', CBQ,xxix (1967), 32) و هو أن القول الوارد في المصدر Q يسوع
"يرسم مثل أن الآب و الابن يعرفا بعضهما البعض بشكلٍ وثيق، و أن الابن هو
أفضل شخص ليكشف أعمق أفكار الآب" Brown على الرغم من أن هذا القول لا يكشف [يسوع] أعمق أفكار الآب لكن
الآب ذاته.
[71] Cf. p. 20, n. 3 above; also A. E. J.
Rawlinson, The JV.T. Doctrine of the Christ, London, 1929, pp. 209 ff.
[72] أنظر S.Hanson,
The Unity of the Church in the N.T., Uppsala, 1946, pp. 109 ff., لنقاش حول علاقة الكوزمولوجي و
الخلاص (السوتيرولوجي) عند بولس
الكلام عن الله هو غير مفهوم اصلا وهو كلام مستحدث لاجل شرح ما لا يمكن شرحه او قبوله عقلا...فكل ما يقال عن الله لا يمكن قبوله على مستوى العقل ولهذا يطلب منا ان نسلم له هكذا او ان نحفظ ونردد...ولهذا الكثير من الناس قد ألحدوا لانهم فشلوا في فهم الله...ربما استعملوا عقولهم او ربما بدءوا في التفكير...
ردحذف