****
ملحوظة: المقال يُخاطب الذين يؤمنون بوجود الله وحضور يسوع المسيح.
"إن
شخصية يسوع تستدعي منك رد فعل فعل راديكاليًا بشكل او بآخر: فإما أن ترفض هذا
الشخص بوصفه شريرًا أو أن تهرب منه لجنونه، وإما من جهة أخرى تَخرَّ ساجدًا عند
قدميه بوصفه الله." (تيموثي كلِر)[1]
لسه عيد
الميلاد فاقد لمعناه[2]، ويمكن ملهوش معنى تمامًا
وسط اللي بيعانوا والمتألمين. يمكن مجرد مناسبة فيها احتفال وفرحة وقتية، شوية ترفيه
ومع إنتهاء اليوم يعود كل شئ كما كان. لكن "التجسد الإلهي"، مجئ يسوع
لللأرض، ملهوش معنى في السياق، مش قادرين نتلامس معاه ونشوف هو فعلاً يقدر يغير
حاجة في حياتنا ولا لا. يمكن كمان مناسبة "تاريخيتها" يعني انها حصلت
فعلا في التاريخ حاجة مش بتفرق معانا قوي.
عيد الميلاد
المفترض انه يحطنا قدام السؤال: لماذا فعل الله ذلك؟ ايه المعنى؟! والمغزي؟!
القيمة
قيمتنا في نظر
نفسنا هي محرك اساسي لسلوكيتنا وافكارنا. عادة إحنا بنستمد قيمتنا بالتسلسل ده،
اللي يببدأ بالصورة المزيفة (القناع) اللي بنعرضها قدام الناس: الصورة الجميلة
الاخلاقية المتدينة المثالية اللطيفة حتى مع اقرب الناس لينا، واللي عليها هما
بيدونا "رد الفعل" اللي بيكون معيار لتقييمنا لنفسنا. وفي الاغلب إما
مبنخدش رد الفعل المتوقع اللي يوصلنا الصورة الذهنية اللي مكوننها عن القيمة دي،
أو بنكون تعرضنا لإساءات واهانات حطمت القيمة دي وخلتنا بلا قيمة في نظر نفسنا.
أزمة القيمة
الذاتية لكل واحد مننا سببها إننا بنستمد القيمة من شئ نسبي جدًا ومتغير جدًا وهو:
رد فعل الآخر وموقفه تجاهنا.
إحنا بنعكس
صورة مزيفة لينا، ونتلقى رد فعل نسبي غير حقيقي في معظم الوقت، وبالتالي بنكون
صورة مشوهة عن نفسنا. في الوقت اللي المفروض اننا نستمد قيمتنا من إنسانيتنا
المخلوقة على صورة الله، إنسايتنا بضعافتها وعيوبها وخطاياها. فكرة إن الله بنفسه
يحضر في صورة إنسان ده يدي قيمة عالية قوي للإنسانية، ويديني قيمة في ذاتي ان الله
إتحد بيا، ومهما نظر ليا الآخر بدونية فده مش هيغير من حقيقة إني ليا قيمة في ذاتي
ادهاني الله بخلقته ليا على صورته ومثاله.
فهمنا لده
واستيعابه قادر انه يغير من نظرتنا لنفسنا وبالتالي من موقفنا تجاه الاخر، علاقتنا
مع نفسنا وعلاقتنا مع الآخر.
العلاقات
لما تقرأ
الجوابات التي بتعرضها "تسبيح
ماهر" (هاشتاج #جوابات) هتكتشف ان الأزمة الحقيقة في الإنسان هي "تشوه
العلاقات" سواء اسرية او اجتماعية او زوجية .. إلخ كل فرد ضحية علاقته مع
الآخر اللي بيستغله بانانية علشان يحقق إشباع رغباته و كبته ويصب عليه اساءاته
اللي حصلتله بسبب علاقته مع آخر غيره. حتى علاقات الزواج من الجوابات بتكتشف انه فيه
تشوه كامل لمفاهيم الزواج والجنس، إما الفصل الكامل او التماهي الكامل.
والعلاقات
داخل الكنائس، اللي هي المفروض جماعة الشركة، جوابات كتير جدًا بتلاقي فيها
استغلال جنسي من "خادم كبير" (بحسب تعبير اصحاب الجوابات المتنوعة) للشخص
اللي رايحله بيعاني ومحتاج إنقاذ، حتى ده بيحصل من رعاة. الكنايس اللي هي المفترض
انها تكون مكان للتعافي والشفاء أصبحت مكان بيسبب إساءات، أصبحنا بنلاقي فيها تدمير
لمفهوم الله بالكامل. وأصبحت الصورة اللي بتتكون عند اللي بيعاني لما بيروح
للكنيسة وتسببله اساءة أكبر إن الله إله
مشوه، استغلالي، اناني، ظالم، وشرير (راجعوا الجوابات).
غياب الصورة
الحقيقة لله، النموذج والمثال اللي المفروض نكون على صورته، بيخلي الإنسان يتوجه
للفردانية (خصوصًا لما بيلاقي ان ده موقف الناس اللي حواليه)، وده معناه ان مصلحته
الذاتية ورغباته ونفسه هي مسعاه الاول والاخير حتى لو هتضر أو تؤذي الآخرين، بيستهلك الاخر
ويستنذفه علشان اشباع ذاتيته. الفردانية دي لما بتصبح جماعية، يعني موقف كل افراد
الجماعة في النهاية بتنتج مجتمع مشوه ومتضرر وكله اساءات لأنه ببساطة الفرد ميقدرش
يكون موجود الا بالفعل والتأثير والتأثر في المجتمع اللي حواليه، محدش يقدر يتخلص من "الآخر."
في
مشهد رائع من فيلم The
Silence of the Lambs (1991) كلاريس (جودي فوستر، اخدت عن الدور
اوسكار احسن ممثلة) محققة المباحث الفيدرالية بتسأل هانيبال ليكتر (انطوني هوبكينز،
اخد عن الدور اوسكار احسن ممثل) القاتل
المتسلسل السادي "ما الذي حدث لك ليجعلك تفعل كل هذا"، كان رد هانيبال
"أنا ما حدث لي."
التجسد (عيد
الميلاد)
التجسد مكنش
وعد بحياة هائنة على الارض لكنه كان اعلان حب وقبول غير مشروط للخليقة الساقطة
والرافضة لله: " 13ما مِنْ حُبٍّ أعظَمَ مِنْ هذا: أنْ يُضَحِّيَ الإنسانُ
بِنَفسِهِ في سَبـيلِ أحبّائِهِ." (يو 13:15، المشتركة).
إعلان الحب
الإلهي ده هو سبيل التعافي للنفوس المتألمة. دعوة بيت لحم هي دعوة
للتماثل مع عمل التجسد، اعلان الحب والقبول غير المشروط: " 12هذِهِ هِيَ وصِيَّتي: أحِبُّوا بَعضُكُم بَعضًا مِثلَما أحبَبْتُكم. 13ما مِنْ
حُبٍّ أعظَمَ مِنْ هذا: أنْ يُضَحِّيَ الإنسانُ بِنَفسِهِ في سَبـيلِ أحبّائِهِ."
(يو 12:15-13، المشتركة).
واحد من أصعب
التحديات اللي بتواجه الكنيسة "هو أنها ترفع عينيها لترى الحصاد الوفير
بالالاف... لكن في نفس الوقت تنتبه للفرد الواحد المتألم"[3]،
وتنتبه مش معناها إنها تعرف، لكن الكنيسة كجماعة تُعلن الحب الإلهي للفرد ده عن
طريق مش بس عن طريق إعلان "الخبر السار/رسالة الإنجيل" لكن عن طريق إنها
تعكس فعلاً الحب ده تجاهه. الدور ده مع الأسف مش موجود بنسبة 99% في كنايس اليوم[4].
يسوع قدم النموذج ده مع السامرية (يوحنا 4)، الإنسانة المتألمة الجريحة، يسوع قدم
نموذج للمساعدة على التعافي، قدملها الخبر السار: إنه هو الشفاء الحقيقي، وقدم
ليها اللي بيحتاجه الشخص المتألم: "بيئة آمنة فيها أمان وسرية وتشجيع على
الانفتاح والشفافية، بيئة تقبل اللغو ولا تتسرع في المحاسبة... الانسان المتألم
يحتاج بيئة لا تحاسبة على كل كلمة يقولها، ولا تعظه وتعنفه وتوبخه على كل شعور
حقيقي يشعر به"[5] لا تصنفه ثم تخشاه وتهرب
منه.
لكن، إذا كان
الله بيقدم الشفاء، الحب غير المشروط، ففي النهاية كل ده "لاحق" للألم
والاساءات"، ليه الله مبيمنعش، مبيقفش حائط صد ويحجب الإلم والشر عن
الإنسانية الضعيفة؟! السؤال ده سؤال بيطارد كل متألم.
الشر والالم
والموت وما بعد الموت
إحنا مكونين صورة زائفة عن إله الراحة
الارضية وده مقدمهوش يسوع ولا وعد بيه. بندور على
إله العدل الارضي وده موعدش بيه يسوع برضه. لو انت مسيحي ومستغرب من موقف
الله الصامت من الإلم اللي بنواجهه، او غير مسيحي وبترفض المسيحية علشان إلهها مش
بيحقق الراحة والعدل ويزيل الشر في الارض، فأحب اقولك انك غلطان لأن يسوع موعدش
بده نهائي، انت كده بتدور على إله تاني.
يسوع في
تجسده، إختبر الإلم الجسدي والنفسي، شارك الإنسان في كل ما يمر به من رفض، احتقار،
خيانة، رذل، ترك، موت... إلخ. كل ده علشان يؤكد "محبته للإنسان". الشر/الخطية
إختيار إنساني (من ساعة السقوط)، معظم
الشرور والآلآلم إحنا بسنببها لبعض بإختيارنا وإرادتنا الحرة: قتل، اغتصاب، سرقة،
قمع، تعذيب، ... إلخ. صحيح إنه فيه شر وألم لا يسببه الإنسان لكن ده جزء من سقوط
الخليقة كلها (راجع سفر التكوين).
لكن موقف الله
واضح في دعوة يسوع اللي هي دعوة اعلان
ملكوت السموات للارض، اللي هيكتمل في السما. دعوة تجديد وتبرير واتحاد بيسوع (تأله)
لأجل حياة ابدية فيه في السما. نعم، الله سيوقف
الشر وهيستأصله، حيحقق العدل لكن ده في النهاية مش في الحالة الارضية المؤقتة.
***** احنا بيبقى عندنا مشكلة في تقبل ان
الله صامت تجاه الشر والالم على الارض لأننا على الارجح مش قادرين نستوعب بالكامل
فكرة اننا في مرحلة مؤقتة، ان كل شئ بيحصل
على الارض ايًا كان هو مؤقت ووقتي، اننا في حالة وجود مؤقتة temporary
mode of existence
هتتغير في النهاية لحالة أخرى. وده طبيعي لأنه من الصعب تخيل او تقبل فكرة وجود شئ
ما بعد الموت، ده محتاج "فقزة إيمان" علشان نصدقه.***
المسيح لما وعد
انه "أمَّا أنا فجِئْتُ لِتكونَ لهُمُ الحياةُ، بل مِلءُ الحياةِ."
(يوحنا 10:10، المشتركة[6])،
مفهوم الحياة هنا بيتجاوز حالة الوجود المؤقتة لحالة الوجود الابدية والنهاية. نقولا
كاباسيلاس بيشرحها كده بلغة عصره (القرن 14) "يتكون هنا على الارض،
بالتعب والالم، الانسان الداخلي الذي يُبنى روحيًا حسب الله وعندما يصل الي الكمال
النسبي، يولد بعد الموت في ذلك العالم الكامل الازلي."[7]
انت والتجسد
مجموعة حاجات لازم تكون قدامنا وإحنا بنفكر في التجسد:
أول حاجة إن قيمتنا
الحقيقية هي في إنسانيتنا اللي على صورة الله: لا يمكن نفهم القيمة دي إلا لما
نكون فعلا في علاقة حقيقية مع الله، لما نكون فاهمين وعايشيين "الخلقة بحسب
الصورة Imago Dei."
تاني حاجة هي ان التجسد
خلى الألم والشر اللي بتمر بيه البشرية: حالة أرضية مؤقتة: صمت الله المؤقت سيعقبة
دينونة للشر والشرير والاشرار. ده جزء من الإيمان المسيحي. لازم تبقى عارف ان الايمان
لا يتجزأ، مش إنتقائي، يعني إما تقبل اعلانات الله كاملة أو متبقلهاش. مينفعش
تفصل "يسوع" على مزاجك.
تالت حاجة إن دورنا كمسيحيين حقيقيين إننا نقدم الحب الإلهي
والدعم والشفاء للمتألمين، ننقلهم صورة الإله الحقيقي مش الإله المشوهه الظالم
الشرير: الاله اللي اتحد بالبشر ومر بالالم البشر. الحب ده لازم يتشاف فينا، وإحنا
بنتكلم عن عمل الله الفدائي لتحرير وتأليه البشرية المفتداة.
موقف التجسد
بيخلي نظرتنا لله مختلفة تماما. بنكتشف فيه اد ايه الله فعلاً مُحب: مش إله مستامي
وعالي، خلق الكون وتركه مع نفسه. لكن بنُدرك
إن إختبار الله للإلم البشري (وده موضوع
يفوق الادراك البشري) يخلينا واثقين انه حاسس بكل اوجعانا والمنا. مطلوب مننا اننا في قلب العتمة نصدق ده، ونثق فيه،
نسيب نفسنا لله برغم كل ما يمزقنا، لأنه الله بيستخدم كل شئ في الحياة لصالحنا،
علشان يغير مننا ويصقلنا بس ده لو صدقنا وآمنا واتعاونا معاه، الالم مش هيروح
فجأة، لكن هنتغلب عليه مع الوقت والدعم وادراكنا لوجود الله في حياتنا (راجعوا جزء
كبير من جوابات تسبيح ماهر هتلاقوا فيها ان الناس اللي اكتشفت الله الحقيقي قدرت
تبدأ طريق طويل من التعافي لكن نجحت).
في التجسد
والموت والقيامة إعلان إن الله "بيملك زمام العالم"، وهو القادر
على العبور بينا من "عنق زجاجة الإلم" الوقتي والمؤقت. يسوع
بيُعلن إنه جنب المتألمين، إنه بيعبر معانا فترة الحياة المؤقتة. التجسد هو مش بس
خبر سار للماضي والحاضر لكنه خبر سار للمستقبل كمان.
كتب مُرشحة
للقراءة
في الختام،
حابب اني ارشح 4 كتب للقراءة:
A Modern Nativity Scene (Julie Rodriguez Jones) |
-
ان. تي. رايت، الخبر السار
(اوفير)
-
فيليب يانسي، النعمة
المُغيبة، ما الذي حدث للأخبار السارة؟ (اوفير)
-
تيموثي كلر، لقاءات شخصية
مع يسوع، اجابات غير متوقعة عن اسئلة الحياة الكبرى (اوفير)
-
اجيث فرناندو، الحياة
الروحية في عالم مادي (اوفير)
[1] تيموثي كلر, لقاءات شخصيّة مع يسوع، اجابات غير
متوقعة عن اسئلة الحياة الكبرى (الاردن: اوفير, 2015), 67.
[2] السنة اللي فاتت قدمت مقال بعنوان: عيد الميلاد
الذي فقد معناه
http://www.freeorthodoxmind.org/2015/12/blog-post.html
[3] اوسم وصفي, الروحانية
والتعافي، دور الروحانية الحقيقية في الشفاء والنضوج (كنيسة قصر الدوبارة
الانجيلية, 2005), 51.
http://www.freeorthodoxmind.org/2014/11/blog-post_28.html
[6] الترجمة العربية المشتركة
كل كلمة في هذا الحديث تحتاج لتدقيق خاص وفهم بعمق حتى ندرك مفهوم سر تجسد الرب مع التوضيح بتطبيقات معاصرة
ردحذفأشكرك جدا على وضوح فكرة التجسد في هذا الحديث مع ربطها بصورة الفساد والألم المعاصر
دائما رائع مع تحياتي وكل سنة وانت طيب وتتحفنا بمثل هذا الجمال الروحي
Nice article Mina :-)
ردحذفGreat blog
ردحذفNice post
ردحذفNice post
ردحذف