التخطي إلى المحتوى الرئيسي

كتاب: نظرةٌ على الكنيسةِ المُبَكِرة



كتاب: نظرةٌ على الكنيسةِ المُبَكِرة
عرضٌ لبعضِ الجوانبِ التاريخيةِ واللاهوتيةِ  في مصادرِها الأولى
(من نهاياتِ القرنِ الأول وحتى مجمعِ نيقية 325م)

مدخلٌ الكتاب


ليسَ التاريخُ مجردَ "سجلٍ للماضي" أو "سردًا لأحداثٍ" تذكِّرُنا بأمجادٍ غابرة، بل التاريخُ تجربة. هو مثلما أشار ادوارد كار المؤرخُ الانجليزي "حوارٌ بلا نهاية بين الماضي والحاضر." ومن هنا تنطلقُ الكتابة التاريخية الجيدة، تلك التجربة التي تستطيع بالفعل أن تحققَ مثلَ هذا الحوار. لكن لا يجب أن نتوقعَ في ذات الوقت أن الفرصةَ قد حانتْ لنقرأ التاريخَ بطريقٍ محايدة، فالحقيقة غيرُ ذلك: ليس من تاريخٍ مُحايد، ولا مؤرخون محايدون، ولا قراء محايدون، لكن فقط، من يحاولون أن يكونوا كذلك.
وتاريخُ الكنيسة بوصفه "تجربة"، هو الذي يكشفُ لنا - مثلما يُعبّر روان ويليامز- عن هويتنا الحقيقية، فنحن بصفتنا كنيسة في الماضي والحاضر والمستقبل، نمثل معًا جسدَ المسيح. وفي كل مرة نقرأ كتابة تاريخية جيدة عن ذلك الامتداد للجسد الواحد، أي الماضي، تنفتح أمامنا أفاقٌ جديدة لاستيعاب ذلك التاريخ بصورة أكبر. فالتاريخ يلعبُ دورًا في تحفيزِ الحاضر والمستقبل عندما يفتحُ أمامَنا تساؤلاتٍ تختصُ بتلك التجربةِ التاريخية الماثلةِ أمامنا: إذا كانت الكنيسة في الماضي هكذا، فكيف يجبُ أن تكونَ اليوم؟! إذا كنا قد أخطأنا في الماضي بوصفنا جسدًا واحدًا لأسباب معينة، فكيف نتجنبُها اليوم؟!، إذا كانت الكنيسة في الماضي قد تفاعلتْ مع العالم بهذه الطريقة، فكيف نتفاعلُ نحن، امتدادُ هذا الجسد، مع العالمِ اليوم؟!

إن إجاباتِ تلك الأسئلة هي التي تجعلُ للتاريخ معنى ومغزى وهدفا، وهي التي تنقلُ التاريخَ من مجرد سرد أحداث، إلى تجربةٍ حيةٍ نابضة في اللحظة الراهنة. والباحثُ عن تلك التجربة التاريخية عليه أن يعيَ جيدًا أن التاريخَ الحقيقي لأي كيانٍ ليس رومانسيًا بالقدر الذي يجبُ أن يكونه، بل إن عظمة التاريخ تتجلى في أنه يجبُ أن يكون مزعجًا ومؤرقًا حتى يصبحَ دافعًا ومحركًا، ملهمًا وقويًا لخوض التجربة الحقيقة، ويتحولُ التاريخُ من مجردِ "حَكي" إلى "استلهامٍ" يدفعُنا إلى التطور.
كتب روان ويليامز ما معناه: إن أكثرَ ما يجعلُ المسيحيين غيرَ محايدين في قراءة تاريخِ الكنيسة أنهم يريدون تاريخًا نقيًا للكنيسةِ الأولى؛ لكن هذا ضربٌ من العَبث، فالتاريخُ الأولُ للكنيسة لا يجبُ أن يحويَ عالمًا مثاليًا، لا يضمُ إلا القديسين الأبرار، والإ تفوقَ على الكتابِ المقدسِ نفسِه، فأعتى رجالاتِ الله في العهدين قد سقط وأخطأ.
علينا إذًا أن نخوضَ التاريخ بصفته ـ"تجربة" جديدة تُسهِمُ في تطورنِا، لا بوصفه "سردا" لأحداثٍ تروق لنا أو تؤرقنا.



للحصول على فهرس محتويات الكتاب اضغط هنا
للحصول على الكتاب سواء نسخة الكترونية أو مطبوعة اضغط هنا


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لحن آجيوس إستين (أوو كيريوس ميتاسو)

  ملحوظة لقراءة الكتابة القبطية يجب تحميل هذا ال Font (إضغط هنا) يُرجح أن الألحان الكنسية نشأت مع الكنيسة نشاة الكنيسة نفسها، وتنوعت الألحان بحسب التراث الثقافي والحضاري الذي نشأت فيه كل كنيسة محلية. وتعتبر الأحان الكنسية هي جزء لا يتجزأ من العبادة، فهي كما يشير القديس باسيليوس: إن الترنيم هو هدوء النفس ومسرة الروح، يسكن الأمواج ويسكت عواصف حركات قلوبنا.

الطقس القبطي وتطور القداسات الثلاثة

[محاضرة ضمن مادة الكنيسة القبطية التي أدرسها بكلية اللاهوت الأسقفية] الطقس الديني هو مجموعة أفعال وتصرفات رمزية يستخدم فيها الإنسان جسده (عن طريق حركات معينة أو إرتداء زي معين أو ترديد كلمات معينة) لكي يُجسد أفكاره ومفاهيمه الدينية، ويُعبر عن علاقته بالقوى الفائقة التي يعبدها، مع الوقت يصير الطقس نمطًا سلوكيًا وجزءًا اصليلآ من العبادة الدينية، فمن خلال الطقس الديني يعيد الإنسان إحياء وتعيين تجربة مقدسة هي تجربة/خبرة تفاعله/تلاقيه مع الله من هنا فالطقس الديني يحتوى على أمرين: الرمزية والسلوك الإجتماعي.  والطقس الديني الجماعي (مثل ليتورجيا القداس في الكنيسة القبطية) يعزز من الإحساس بالشركة والوحدة داخل الجماعة، فالأفراد يقومون بعمل واحد معًا، وبالتالي فهو يعبر بصورة حية عن مفهوم الكنيسة ووحدتها. والطقس الديني في أساسه ليس غاية لذاته بل وسيلة للتعبير عن الغاية: العلاقة مع الله/ الإيمان؛ وينفصل الطقس عن تلك الغاية، حينما تتحول الممارسة الدينية إلى غاية في ذاتها.

هل كان المسيحيون الأوائل أكثر إيمانًا وقداسة منا اليوم؟

  عزيزي، أنت تؤمن أن مسيحيو الماضي قد وُهبُوا إيمانًا وقداسة فائقين، فقد عَبَرْوا من بوتقةِ الاضطهاد العنيف والالام التي تتجاوز عتبة التحمل لمن هم في العصر الحديث. كما أنك تؤمن أن القديسين والشهداء الأوائل، ونُساك الصحراء هم نموذج لا يُمكن لنا نحن المؤمنين المعاصرين تحقيقه. ها أنت تأبى أن تترك حنين الماضي، أو أن تُقْدِمُ على الفحصِ المتأني للمشهد الإيماني المعاصر، حتى تكتشف ذلك النسيج المعقد للحاضر، الذي يتحدى هذه المقارنات السهلة.