التخطي إلى المحتوى الرئيسي

لقائي مع ا. إبراهيم عيسى مكتوبًا مع إجابات أكثر استفاضة



اللقاء كان في برنامج حديث القاهرة (إعداد سارة علام شلتوت) يوم الأربعاء 6 يناير 2021

رابط اللقاء:

https://youtu.be/6Y_cBD4S4wo

في اللقاء تمت مراعاة استخدام ألفاظ محايدة والابتعاد عن الألفاظ المسيحية الغير مفهومه للجمهور الأصلي للبرنامج وهو الأخوة المسلمون. لذا ابتعدت عن كلمات مثل اللاهوت، مار، القديس، وغيرها.

هذا ليس تفريغًا حرفيًا للقاء، لكن آثرت هنا أن أقدم إجابات أكثر تفصيلاً على المحاور التي نُوقشت لم يتح وقت البرنامج تقديمها.

المحور الأول: بداية المسيحية في مصر

هناك ثلاثة مواقف التقت فيها مصر مع المسيحية:

الموقف الأول: هو مجيء المسيح في طفولَتِه إلى مصر هربًا من سعي هيرودس الملك لقتله. وظلت العائلة المُقدسة: مريم العذراء ويوسف النجار والطفل يسوع ما يُقارب من ثلاثة سنوات في مصر حتى موت هيرودس.

الموقف الثاني: هو نص مُبهم وعابر في سفر أعمال الرسل. وهو أحد أسفار العهد الجديد. حيث يَذكُر النص اسم شخص يُدعى أبولوس أتى من الإسكندرية وكان لديه معرفة بشكل ما بالمسيحية وصلت إليه في موطنه الإسكندرية. بالطبع هذا كان قبل بشارة مرقس. لكن لا يوجد لدينا أي تفاصيل عن الموضوع، ويبقى هذا من شأن البحث الأكاديمي.

الموقف الثالث: وهو الأشهر والأكبر والأبرز، وهو الرواية الرسمية للمسيحية في مصر. وهي تبشير مصر رسميًا بالمسيحية على أيد أحد رسل (حواري) المسيح وهو القديس مرقس. والذي على يديه بدأ المصريون في اعتناق المسيحية.

تروي الرواية الرسمية أن مرقس -وهو من أصل ليبي يهودي، يُفترض أنه وُلدَ في قورينا (سيرين) في الشرق الليبي- جاء إلى موطنه ليبيا أولاً في منطقة الخميس مدن الغربية (غربية بالنسبة لمصر) وهي في الشرق الليبي: بِرقةَ- توكرا- ابولونيا (سوسة حاليًا)- قورينا- برنيق. وذلك حوالي سنة 60م. ثم بعدها في حوالي سنة 61م توجه إلى مصر. وهنا تبدأ الأحداث، حيث انقطع حذاءه عند وصوله إلى الإسكندرية، فبحث عن اسكافي. واثناء إصلاح الاسكافي للحذاء اخترق يده المغراز (وهو ابرة كبيرة لازالت تُستخدم في اصلاح الأحذية). فصرخ الاسكافي – وكان يُدعى انيانوس- بالله الواحد. وتقول الرواية أن مرقس شفى يد الاسكافي، وعرفانًا بالجميل دعاه الاسكافي الي منزله وهنا بدأ مرقس في تعريفه بالإله الواحد والمسيحية. ثم بدأ مرقس في بشارة الآخرين مع انيانوس. ثم عاد إلى برقه في ليبيا وترك انيانوس للبشارة في الإسكندرية. تعددت رحلات مرقس بين الإسكندرية وليبيا. وفي عام 68م حينما عاد للمرة الثالثة كان الصراع قد احتدم مع الوثنيين وأصحاب الديانات الأخرى في الإسكندرية، لأن المسيحية كانت قد بدأت في الانتشار وأصبحت تهدد ديانتهم، وانتهى الأمر بالقبض على مرقس وربطه بحبل من عنقه وسحله في شوارع الإسكندرية حتى استشهد عام 68م.

المحور الثاني: هل هناك روايات تدحض هذه القصة؟

هذه الرواية هي الرواية الرسمية للكنيسة المصرية، والمبنية على التقليد الخاص بها. ولا توجد روايات أخرى بديلة تنسب بداية المسيحية في مصر إلى شخصٍ آخر. لكن هناك آثار وتراث خاص بمرقس في ليبيا. كان الأثري الليبي الراحل داود حلاق قد أصدر من عشرات السنوات كتابًا مع مصلحة الآثار الليبية بعنوان "مرقس الإنجيلي" عن وادي مرقس ومنطقة الجبل الأخضر في شرق ليبيا. وحاليًا يقوم الصديق والإعلامي الليبي ماهر العوامي مؤسس المنظمة الليبية للتراث بتوثيق فوتوغرافي ووثائقي لهذه المنطقة. إذًا نحن لدينا تراث مصري وليبي بشأن وجود مرقس في المنطقة وكأول شخص ينشر المسيحية بصورة واسعة ورسمية في مصر.

المحور الثالث: من أين جاءت تسمية بابا الإسكندرية؟

جاءت التسمية من الكلمة اليونانية παππας والتي تُشير إلى الأبوة بشكل عام. وقد استخدمت للدلالة على الأبوة الروحية. وأقدم دليل على استخدامها في سياق رئاسة كنيسة الإسكندرية هو من القرن الثالث حيث اطلق على البابا هيراكلاس البابا الثالث عشر لقب بابا. وفي هذا الفترة أيضا استخدمت كلقب لبابا روما، البابا مارسلينوس. وهي تختلف عن كلمة بطريرك الذي يُشير للوضع الهرمي لرئيس أساقفة الإسكندرية كأول أو رئيس للعائلة. بينما بابا تدل على الأبوة الروحية.

المحور الرابع: من أين جاءت مكانة الإسكندرية في العالم المسيحي؟

جاءت من أمرين. الأول هو مكانة الإسكندرية كمدينة ومركز ثقافي وحضاري وفكري وفلسفي في العالم اليوناني الروماني القديم، وخصوصًا مع وجود مكتبة الإسكندرية. الثاني، هو استنساخ المسيحيون الإسكندريون لتلك التجربة الفكرية وانشاء مدرسة الإسكندرية للتعليم الديني المسيحي. وهذا ما جعل الإسكندرية هي رائدة العالم المسيحي ومرجعه في العلوم الدينية.

المحور الخامس: ماذا حدث لرفات (جسد) مرقس؟

ظل مرقس مدفونًا في الإسكندرية حتى عام 828م حيث سرق اثنين من بحارة البندقية (فينسيا- إيطاليا) جسده لكنهم فقدوا الرأس، وظل الجسد هناك بينما الرأس مدفونة في مكانها في الإسكندرية. حتى عهد البابا كيرلس السادس حيث بدأت المفاوضات بين الكنيسة القبطية وبين بابا روما، البابا بولس السادس لاستعادة الرفات. وانتهت المفاوضات في 1968م بزيارة وفد رسمي من الكنيسة القبطية يصحبه ثلاثة أساقفة من اثيوبيا إلى روما لاستعادة جزء من هذه الرفات، ووصلت الي ارض مصر في 24 يونيو 1968م. بينما ظلت باقي الرفات في كنيسة القديس مرقس في فينيسيا.

المحور السادس: هل ظلت الكنيسة المصرية على مكانتها؟ وهل يعرف المصريون أقباط ومسلمون هذا التاريخ؟

إجابة الجزء الأول من السؤال هي صعبة. نحن في زمن يختلف كثيرًا عن الماضي. وحسابات المكانة والريادة اختلفت بشدة. الكنائس في الماضي برغم انها كانت مستقلة الا انها كانت متصلة ومتداخلة بشدة نتيجة وجودها في اطار الإمبراطورية الواحدة. حاليًا هذه الحالة ليست موجودة. وبالتالي فالسؤال عن المكانة هو مرتبط بسياقات الماضي وليس بسياق الحاضر. لكن، بوجه عام فالمكانة انحصرت بعد الانفصال عن الغرب في مجمع في مدينة خلقيدونية بسبب خلاف ديني، تلاه الانحصار الأكبر بعد غزو العرب لمصر حيث انفصل تمامًا العالمين الغربي والشرقي.

أما عن معرفة التاريخ، فالناس تعرف القليل عن التاريخ، خصوصًا ان أجزاء كبيرة منه لا تُدرس لا في المدارس ولا الجامعات. وبالتالي فهناك فجوات هائلة في المعرفة التاريخية لدى جموع المصريين بين ما هو في التاريخ وبين ما يعرفه الناس من التاريخ. 

تعليقات

  1. شكرا أ مينا على هذا الفيض من المعرفة فى موضوع يس فيه الكثير

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لحن آجيوس إستين (أوو كيريوس ميتاسو)

  ملحوظة لقراءة الكتابة القبطية يجب تحميل هذا ال Font (إضغط هنا) يُرجح أن الألحان الكنسية نشأت مع الكنيسة نشاة الكنيسة نفسها، وتنوعت الألحان بحسب التراث الثقافي والحضاري الذي نشأت فيه كل كنيسة محلية. وتعتبر الأحان الكنسية هي جزء لا يتجزأ من العبادة، فهي كما يشير القديس باسيليوس: إن الترنيم هو هدوء النفس ومسرة الروح، يسكن الأمواج ويسكت عواصف حركات قلوبنا.

الطقس القبطي وتطور القداسات الثلاثة

[محاضرة ضمن مادة الكنيسة القبطية التي أدرسها بكلية اللاهوت الأسقفية] الطقس الديني هو مجموعة أفعال وتصرفات رمزية يستخدم فيها الإنسان جسده (عن طريق حركات معينة أو إرتداء زي معين أو ترديد كلمات معينة) لكي يُجسد أفكاره ومفاهيمه الدينية، ويُعبر عن علاقته بالقوى الفائقة التي يعبدها، مع الوقت يصير الطقس نمطًا سلوكيًا وجزءًا اصليلآ من العبادة الدينية، فمن خلال الطقس الديني يعيد الإنسان إحياء وتعيين تجربة مقدسة هي تجربة/خبرة تفاعله/تلاقيه مع الله من هنا فالطقس الديني يحتوى على أمرين: الرمزية والسلوك الإجتماعي.  والطقس الديني الجماعي (مثل ليتورجيا القداس في الكنيسة القبطية) يعزز من الإحساس بالشركة والوحدة داخل الجماعة، فالأفراد يقومون بعمل واحد معًا، وبالتالي فهو يعبر بصورة حية عن مفهوم الكنيسة ووحدتها. والطقس الديني في أساسه ليس غاية لذاته بل وسيلة للتعبير عن الغاية: العلاقة مع الله/ الإيمان؛ وينفصل الطقس عن تلك الغاية، حينما تتحول الممارسة الدينية إلى غاية في ذاتها.

هل كان المسيحيون الأوائل أكثر إيمانًا وقداسة منا اليوم؟

  عزيزي، أنت تؤمن أن مسيحيو الماضي قد وُهبُوا إيمانًا وقداسة فائقين، فقد عَبَرْوا من بوتقةِ الاضطهاد العنيف والالام التي تتجاوز عتبة التحمل لمن هم في العصر الحديث. كما أنك تؤمن أن القديسين والشهداء الأوائل، ونُساك الصحراء هم نموذج لا يُمكن لنا نحن المؤمنين المعاصرين تحقيقه. ها أنت تأبى أن تترك حنين الماضي، أو أن تُقْدِمُ على الفحصِ المتأني للمشهد الإيماني المعاصر، حتى تكتشف ذلك النسيج المعقد للحاضر، الذي يتحدى هذه المقارنات السهلة.