التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الكنائس البروتستانتية والاسرار: 1/3 الإفخارستيا: لوثر وكالفن وإيمان الكنيسة الإنجيلية المصرية

1/3 : الإفخارستيا: لوثر وكالفن وإيمان الكنيسة الإنجيلية المصرية

مقدمة
كتب أحد مواقعنا القبطية الإرثوذكسية والتي يرتادها الالاف- هذه الكلمات:
"البروتستانت لايؤمنون بسر الافخارستيا... كل ما يفعلونه لتنفيذ وصية الرب (أنجيل لوقا 22:19) هو احتفال في بعض المواسم، فيه كسر الخبز، لمجرد الذكرى، ويدعون ذلك فريضة وليس سرًا كنسيًا."

هذه الموقع وغيره من المواقع، والتي يفترض ان تكون مصدر دقيق وموثوق منه للمعلومات اللاهوتية، تعتمد على التراث الشفاهي والمتراكم من عصور غابت عنها المعرفة وتعذر فيها الوصول الي النصوص الاصلية والمراجع. أما الآن فكل شئ متوافر لكل الناس، النصوص والمراجع والابحاث والدراسات. والمؤسف في الأمر، أن الشخصية المصرية إعتادت وأدمنت التراث المنقول ولازالت تعتمد عليه كمصدر اساسي للمعلومات دون ان تحاول الإقتراب من الطرق السليمة للبحث والمعرفة.

هذه مقالة اولى من ثلاث مقالات تحاول تصحيح المفاهيم المغلوطة عن الآخر والتي سببها ذلك التراث الشفاهي المتوارث الذي نشأ لأسبابه وظروفه، المقال الأول هو عن الافخارستيا، المقال الثاني هو عن المعمودية، أما المقال الثالث فهو عن مفهوم الآسرار.
إذا كان نبغى الأقتراب والوحدة مع الاخر فينبغي ان نعرفه على حقيقته من مصادره وليس مما يروى عنه ويتهم به.

لوثر والافخارستيا
هل رفض مارتن لوثر الافخارستيا وإعتبرها رمز لاقيمة له؟
الدارج والسائد هو ان لوثر رفض الافخارستيا كما رفض كل الاسرار الكنيسة، واعتبر الافخارستيا مجرد رمز لا قيمه له نمارسه فقط لأنه وصية من الانجيل.

لكن الحقيقة هي أن لوثر علم بـ"الحلول المزدوج" في الإفخارستيا في مواجهة التعليم الكاثوليكي الخاص بـ"الإستحالة الجوهرية". كان التعليم الكاثوليكي الخاص بالاستحالة الجوهرية يُعلم بأن الخبز والخمر يستحيلان تماما لجسد ودم المسيح أي أن عناصر الخبز والخمر (من دقيق وعصير العنب...الخ) يحل محلهما جسد ودم المسيح مع انهما يبدوان للناظر خبزًا وخمرًا عاديين.

أما تعليم "الحلول المزدوج" والذي تمسك به لوثر (وهي نظرية في الافخارستيا نشأت قبل لوثر بزمن عام 1079م) فهو يعتبر ان المسيح يحل في الخبز والخمر بطريقة فعلية وحقيقية وحرفية، على ان هذا الحلول لا يعتبر بديلا (اي يحل محل الخبز والخمر) بل حلولا مزدوجًا (اي مع الخبز والخمر)، لأن حلول المسيح في هاتين المادتين الخبز والخمر لا يلاشي بأي حال من الأحوال الخبز والخمر.[1]
يقول لوثر:
"1. مثل سر المعمودية المقدسة، فسر المذبح المقدس، أو [سر] الجسد الحقيقي للمسيح، فهناك ثلاثة أمور من الضروري لنا أن نعرفها. الأمر الأول هو السر  sacrament أو العلامة، الثاني هو أهمية السر، الثالث هو الإيمان اللازم للأمرين؛ هذه الأمور الثلاثة التي يجب أن توجد في كل سر."[2]
بالنسبة للوثر فأهمية الإفخارستيا تكمن في أنها الشركة المقدسة والرابطة القوية التي تربط أعضاء الجسد الواحد بالرأي بالرأس الذي هو الرب يسوع المسيح[3]:
"4. أن تحصل على الخبز والخمر في هذا السر، هو ليس إلا أن تحصل على علامة تأكيد على تبعية وشركة المسيح وكل القديسيين... حتى ان بولس الرسول يقول : فإِنَّنا نحْن الكثِيرين خبْزٌ واحد جسد واحد لأَنّنا جميعنا نشترك فِي الْخبز الْواحد [1كو 17:10]"[4]
"6. في هذا السر، بالتالي، فالله نفسه يعطي من خلال الكاهن علامة تأكيد للإنسان، ليُظهِر أن الإنسان يتحد بالمسيح وقديسيه"[5]
وبالنسبة له ففاعلية الإفخارستيا أنها تُعلن غفران الخطايا (لكنها في حد ذاتها لا تغفر الخطايا):
"7. .. وبالتالي، لكي يعطينا القوة والشجاعة ضد الخطية، فالله يعطينا هذا السر... 8. إن كان أحد في يأس، لو كان محبطًا بفعل ضميره الخاطئ أو مرتعب من الموت أو لديه اي اثقال على قلبه، ويرغب في التخلص منها، عليه أن يذهب مبتهجًا لسر المذبح هذا"[6]
نكتفي بهذا القدرمن أقوال لوثر عن الإفخارستيا، والتي توضح كيف أنه قبل الإفخارستيا (مثلما قبل المعمودية) كسر مقدس، يحضر فيه المسيح فعليًا، وهو سر يُعلن غفران الخطايا وشركة الإنسان في جسد المسيح ومع القديسيين.

كالفن والإفخارستيا
هل رفض كالفن الإفخارستيا وإعتبرها مجرد رمز لا قيمة له؟
يتهم كالفن بمثلما يتهم لوثر. والحقيقة هي انه بالنسبة لكالفن فالإفخارستيا هي "سر"، لكن حضور المسيح في الإفخارستيا ليس حضورًا جسديًا للمسيح لكنه حضور روحي، والإفخارستيا هي تذكار لذبيحة الصليب، لكنها ليست مجرد تذكار أو رمز لكننا نتغذى بالفعل على الرب الحاضر روحيًا في الافخارستيا، فالمسيح بحسب جون كالفن يؤكل روحياً وسرائرياً في الافخارستيا.

يقول كالفن:
"...سوف نبسط الغاية والسبب الذين من أجلهما أسس لنا الرب هذا السر المقدس"[7] (مقدمة مقالة قصيرة في العشاء المقدس)
"1... ما قيل في الكلمة يتوافق ايضًا مع سر العشاء الذي بواسطته يقودنا الرب للشركة مع يسوع المسيح... إنه سر عال وفائق الإدراك أن نقول إننا نشترك في جسد الرب يسوع المسيح ودمه"[8]
"2... ولذا فإن أبانا السماوي، لكي ينجدنا، يعطينا العشاء المقدس كمرآة نتأمل فيها ربنا يسوع المسيح مصلوبًا لمحو خطاينا وتعدياتنا وقائمًا لينجينا من الفساد والمون ويمنحنا خلودًا سماويًا. هذه هي التعزية الخاصة التي لنا من العشاء: انه يوجهنا ويقودنا الي صليب يسوع المسيح والي قيامته... إن غاية العشاء هي تثبيت مصالحتنا مع الله بواسطة موته والامه وغسل نفوسنا الذي لنا بسفكه دماه"[9]
وفي نص صريح يتحدث كالفن عن الحضور الروحي الحقيقي في الإفخارستيا:
"2... إذًا اتفقنا على هذا، نعترف، بلا شك بأن نكران التناول الحقيقي ليسوع المسيح الممنوح لنا في العشاء يجعل هذا السر عبثًا وبلا فائدة وهذا تجديف مقيت وغير جدير بالاهتمام... فليست المسألة مجرد اشتراك في روحه. من الضروري ان نشترك ايضا في ناسوته الذي به قدم طاعة كاملة لله ابيه لكي يسدد ديوننا... ولذا كما يقال ان روحه حياتنا فانه نفسه يعلن بفمه ان جسده ماكل حق ودمه مشرب حق. اذا لم تكن هذه الكلمات قد قيلت عبثًا فانه يستخلص منها انه ينبغي لنفوسنا ان نتغذي بجسده ودمه كمأكلهما الصحيح، اذا اردنا ان تكون حياتنا في المسيح. هذا ما نشهد له بصراحة في العشاء حين يقال لنا ان ناخذه وناكل منه وانه جسده، وكذلك ان نشرب من الكاس وانه دمه... الخبز والخمر هما علامتان مرئيتان تمثلان لنا الجسد والدم... فعلى الرغم من ان شركتنا في جسد المسيح امر لا يدرك ليس فقط بالعين بل بالحس الطبيعي فهي ظاهرة لنا في بشكل مرئي... انه سر روحي لا يرى بالعين ولا يدرك بالعقل البشري. لذا يرمز اليه بعلامات منظورة كما يستدعي ضعفنا، ولكن ليس بشكل مجرد بل مرتبط بحقيقته وجوهره... ان كان الله لا يخدع ولا يكذب، فينتج من ذلك انه يتمم كل ما يشير اليه العشاء. فلا بد اننا حقا نتناول جسد يسوع المسيح ودمه في العشاء... ويكفينا هذا دون غيره ان نعي بان يسوع المسيح يعطينا في العشاء الجوهر الحقيقي لجسده ودمه حتى نملكه كليًا"[10]
كتابات كل من لوثر وكالفن متعددة وكثيرة وكلها تؤكد وتعلن أن الإفخارستيا سر مقدس نرتبط ونشترك فيه بيسوع المسيح، كما ان الافخارستيا هي استعلان للخلاص وذبيحة الصليب. لكن يختلف لوثر وكالفن هو طبيعة ما يحدث في الخبز والخمر، فبينما يرى لوثر ان المسيح يحضر جسديًا وحقيقيًا في الافخارستيا، فكالفن يرى ان المسيح يحضر روحيًا وحقيقيًا في الافخارستيا، لكن الاثنان يؤكدان المسيح في الافخارستيا يعطينا جسده ودمه حقيقة.

الكنيسة الإنجيلية المشيخية في مصر وموقفها من سر الإفخارستيا
في كتاب "إيماني الإنجيلي"[11] والذي يعتبر بمثابة دليل للإيمان الرسمي للكنيسة الإنجيلية في مصر نرى مفهوم الافخارستيا بحسب ما تؤمن به الكنيسة المشيخية في مصر:
"الكنيسة الانجيلية تؤمن وتمارس السرين وهما المعمودية والعشاء الرباني" (ص98)
"للسر الالهي... ثلاثة شروط: ا. ان يكون وضع بترتيب الهي، ب. يتضمن عناصر محسوسة تشير الي اشياء غير محسوسة، ج. تكون الممارسة قاصرة على شعب الرب (الكنيسة)" ص97
العشاء الرباني هو: "د. شركة جسد الرب كما جاء في 1كو 16:10 على ان الجماعة مرتبطة بواسطة جسد الرب" (ص104)
"بأي معنى نعتبر العشاء الرباني سرًا؟ بمعنى انه فريضة رسمها الرب يسوع نفسه. وحدد فيها استعمال اشياء حسية عند تناولها بالايمان تعطي مدلولا روحيًا وفائدة للمتناول" (ص105)
"... ان فاعلية العشاء الرباني ليست ذاتية فيه لكنها تحصل بواسطة الروح القدس الذي يرافق العناصر ويوصل الفوائد الروحية الى القلوب التى تتناوله بالايمان. فالروح القدس هوالذي يجعل الفريضة المقدسة لتوثيق روابط الاتحاد بين المؤمنين وبين فاديهم، وعلى هذا يكون للعشاء الرباني فاعلية روحية عظيمة لاننا بالايمان نشترك في جسد الرب ودمه ونتثبت في العهد وننمو في النعمة" (ص107-108)
إذأ تؤمن الكنيسة الانجيلية المشيخية أن الإفخارستيا هي شركة الرب ودمه، وهي سر، يحل فيه الروح القدس، وان فاعلية السرتكمن في الروح القدس، وانه في الافخارستيا تثبت وننمو في النعمة.

علينا أن نقبل الآخر على حقيقته، ولا نختلق المبرارت والأكاذيب كي نبرر عدائنا وكراهيتنا له.

"تعرفون الحق والحق يحرركم"



[1]  حنا جرجس الخضري، المصلح مارتن لوثر حياته وتعاليمه، دار الثقافة 1983، ص167-170
[2] A Treatise Concerning the Blessed Sacrament of the Holy and True Body of Christ and Concerning the Brotherhoods, 1519;  in Works of Martin Luther with Introduction and Notes, Vol 2, A. J. Holman Company, Philadelphia 1916
[3]  الخضري، ص171
[4] A Treatise Concerning the Blessed Sacrament of the Holy and True Body…
[5] A Treatise Concerning the Blessed Sacrament of the Holy and True Body…
[6] A Treatise Concerning the Blessed Sacrament of the Holy and True Body…
[7]  جون كالفن، مقالة قصيرة في العشاء المقدس، ترجمة جورج صبرا، دار الثقافى 2004، ص21، النص الإنجليزي في
Calvin’s Theological Treatises, ed. J.K.S. Reid, Library of Christian Classics, SCM Press 2006, p.143-166
[8]  جون كالفن، مقالة قصيرة في العشاء المقدس، ص23
[9]  جون كالفن، مقالة قصيرة في العشاء المقدس، ص25
[10]  جون كالفن، مقالة قصيرة في العشاء المقدس، ص26-28
[11]  القس اميل زكي، القس فايز فارس، والقس منيس عبد النور، إيماني الانجيلي، دار الثقافة المسيحية 1977

تعليقات

  1. "6. في هذا السر، بالتالي، فالله نفسه يعطي من خلال الكاهن علامة تأكيد للإنسان، ليُظهِر أن الإنسان يتحد بالمسيح وقديسيه"[5]. هل يتم او يحدث هذا استاذ مينا.؟

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لحن آجيوس إستين (أوو كيريوس ميتاسو)

  ملحوظة لقراءة الكتابة القبطية يجب تحميل هذا ال Font (إضغط هنا) يُرجح أن الألحان الكنسية نشأت مع الكنيسة نشاة الكنيسة نفسها، وتنوعت الألحان بحسب التراث الثقافي والحضاري الذي نشأت فيه كل كنيسة محلية. وتعتبر الأحان الكنسية هي جزء لا يتجزأ من العبادة، فهي كما يشير القديس باسيليوس: إن الترنيم هو هدوء النفس ومسرة الروح، يسكن الأمواج ويسكت عواصف حركات قلوبنا.

الطقس القبطي وتطور القداسات الثلاثة

[محاضرة ضمن مادة الكنيسة القبطية التي أدرسها بكلية اللاهوت الأسقفية] الطقس الديني هو مجموعة أفعال وتصرفات رمزية يستخدم فيها الإنسان جسده (عن طريق حركات معينة أو إرتداء زي معين أو ترديد كلمات معينة) لكي يُجسد أفكاره ومفاهيمه الدينية، ويُعبر عن علاقته بالقوى الفائقة التي يعبدها، مع الوقت يصير الطقس نمطًا سلوكيًا وجزءًا اصليلآ من العبادة الدينية، فمن خلال الطقس الديني يعيد الإنسان إحياء وتعيين تجربة مقدسة هي تجربة/خبرة تفاعله/تلاقيه مع الله من هنا فالطقس الديني يحتوى على أمرين: الرمزية والسلوك الإجتماعي.  والطقس الديني الجماعي (مثل ليتورجيا القداس في الكنيسة القبطية) يعزز من الإحساس بالشركة والوحدة داخل الجماعة، فالأفراد يقومون بعمل واحد معًا، وبالتالي فهو يعبر بصورة حية عن مفهوم الكنيسة ووحدتها. والطقس الديني في أساسه ليس غاية لذاته بل وسيلة للتعبير عن الغاية: العلاقة مع الله/ الإيمان؛ وينفصل الطقس عن تلك الغاية، حينما تتحول الممارسة الدينية إلى غاية في ذاتها.

الثاليا: قصيدة آريوس، مقدمة وترجمة

الآريوسية هي المسيحية الحقيقة: "المسيحية الموحدة بالله"، قَدَمَ هذه الفكرة أحد الكتاب المصريين ونشرها في احد الجرائد الرسمية، وكتب عدة مقالات متفرقة عنها. ووصف آريوس والآريوسيين بالـ "مسيحيين الموحدين بالله"، وكان القصد من ذلك الإشارة أن المسيحية الأرثوذكسية التي واجهت للآريوسية لم تكن موحدة بالله لوجود فكرة الثالوث ، وان آريوس – كحامل للمسيحية الصحيحة- قدم المسيح كإنسان ونبي. لكن في مجمع نيقية تم الحكم على آريوس ظلمًا وإختراع فكرة الثالوث وتأليه المسيح.